آخـــر ما حـــرر

النواب الأمريكي يفرمل قطار التطبيع




رأي المحرر

القضية السورية حيرت المتابعين لكثرة تناقضاتها وتعرجاتها وتعقيداتها!. فكل العناصر المتداخلة فيها هي عناصر جدلية إشكالية! كتنظيم القاعدة والإخوان المسلمين وروسيا وإيران وقطر وتركيا وأمريكا..  وغيرها!

هنا سأشير فقط إلى جانب واحد يتعلق بسياسة المحاور المتدخلة في سوريا. فكما هي الحال في معظم قضايا العالم حيث تنقسم السياسات الدولية إلى محورين «أمريكا وروسيا» فإن هذا التقسيم التقليدي ينسحب على الشأن السوري.

ففي سوريا بمقدورنا رصد حالة الاستقطاب الدولي واضحة بين معسكر تقوده موسكو وآخر تقوده أمريكا، فالأول بات يضم إلى جانب روسيا إيران وتركيا والصين. بينما يضم الثاني مع أمريكا دول أوربا والسعودية.

إن سياسات المعسكرين مختلفة جذريا فيما بينهما، مع محاولات البعض وضعهما في خانة واحدة.

فمحور موسكو يعمل على تصفير العداد الزمني في سوريا وإرجاع الأمور إلى ما قبل آذار 2011. وتجاهل ما فعله نظام الأسد من قتل وتدمير وتهجير واستدعاء للأجنبي وعبث بمقدرات سوريا. كما يعمل على تناسي تضحيات الشعب السوري والأثمان الباهظة التي دفعها لنيل حقوقه. بمعنى آخر تريد موسكو إعادة إنتاج نظام الأسد الكيماوي البراميلي إلى الواجهة الداخلية والإقليمية والدولية.

بينما محور أمريكا يمكن التأكيد على أنه قطع سياسيا نصف الطريق، بحيث تجاوز الأمريكان حقبة بشار الأسد، وهم يماطلون في النصف الثاني من الطريق والمتعلق بإنجاز الانتقال السياسي دون وجود بشار الأسد ومنظومته الأمنية، وأرى أنهم سيتجاوزون مراحل متقدمة بعد إقرار آليات تنفيذية لقانون الكبتاغون الذي يجرم نظام الأسد بضرب الأمن القومي الأمريكي والدولي عموما بسبب تجارة وتصنيع المخدرات بكميات غير مسبوقة.

ومن العلامات الدالة على تجاوز الأمريكان «جمهوريين وديمقراطيين» حقبة الأسد ترصدهم بأي محاولة لتطبيع العلاقات مع النظام وإفشاله، وهذا ما حدث مع الأردن والإمارات وتركيا ومصر وعمان والبحرين وغيرها، فجهود هؤلاء تمت فرملتها بالقرار الأمريكي وتدخلات سعودية غير خافية.

وبعد موجة التطبيع الأخيرة التي جاءت على خلفية الزلزال المدمر الذي أصاب سوريا وتركيا، ردت الولايات المتحدة الأمريكية ردا مزلزلا على كل المهووسين بدعم الجزار على حساب الضحية.

يترتب على هذا التحليل أن على قوى الثورة السورية إن كانت جادة في استحقاقات الحرب الوجودية أن تبني على النصف الأول الذي أنجزته أمريكا والتخلي عن المسارات التي اختلقتها روسيا لإجهاض ثورة الشعب السوري المباركة، بمعنى أن تنقلب على تفاهمات «أستانة وسوتشي» ومراهقات «اللجنة الدستوري» وتبحث عن استثمارات سياسية مع المحور الأمريكي، لصالح الشعب السوري، فكل مكسب يمكن تحصيله من أمريكا سيضاف إلى الخمسين بالمئة، وليس إلى «الصفر» الروسي.  

وفي الخبر     

في 28/02/2023 صوت مجلس النواب الأمريكي بأغلبية “ساحقة” لصالح قرار يدين نظام الأسد، ويعارض رفع العقوبات عنه، وتسليمه المساعدات الأممية الخاصة بالاستجابة للزلزال. وحاز القرار على موافقة 414 نائباً مقابل رفض 2، بحسب ما ذكر الحساب الصحفي الرسمي لمجلس النواب الأمريكي.

وتعهد مجلس النواب الأمريكي بمحاسبة من يطبع مع النظام السوري، في تصويته على قرار ينبغي تمريره من مجلس الشيوخ، قبل إقراره من الرئيس الأمريكي، جو بايدن. وأدان مجلس النواب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في استغلال كارثة الزلزال للعودة إلى الساحة العالمية بعد سنوات من نبذه دوليًا.

وخلال تصويته على قرار ينعي الخسائر البشرية جراء الزلزال، فجر يوم 28 من شباط، أدان مجلس النواب النظام السوري لاستغلاله الكارثة باستخفاف، للتهرب من الضغط والمساءلة الدوليين، مشيرًا إلى حصول النظام على المساعدات الدولية رغم انتهاكاته خلال “الحرب الأهلية” المستمرة في سوريا.

وتعهد القرار بمحاسبة كل من يحاول التطبيع معه، ولن نتوقف عن دعم الشعب السوري في أن تكون له حكومة يستحقها على أساس الديمقراطية مع سيادة القانون، وليس الاستبداد مع حكم البندقية.

وتضمن القرار تعازي لذوي الضحايا في سوريا وتركيا، ورسالة إلى نظام الأسد الوحشي وداعميه، ومجرب الحرب (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين، وآية الله (خامنئي)، المستبد في إيران أن استغلال المساعدات أمر “حقير”، وأن “الكونجرس” يقف موحدًا لرفض التطبيع مع النظام السوري.

وجرت الموافقة على القرار بغالبية 412 صوتًا، مقابل اعتراض صوتين فقط، للنائبين توماس ماسي (جمهوري) وماجوري تايلور جرين (جمهوري).

ولفت “الكونجرس” إلى منع النظام السوري تقديم المساعدة عبر المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا، كما دعا إدارة الرئيس «جو بايدن» للاستمرار في استخدام جميع الأدوات الدبلوماسية، بما في ذلك عبر مجلس الأمن، لفتح جميع المعابر الحدودية التركية السورية، أمام المساعدات الأممية. وتضمن القرار دعوة لآلية رقابة أكبر تستخدم لضمان عدم تحويل الأموال من الولايات المتحدة لصالح “نظام الأسد”.

تصريحات المسؤولين الأمريكيين:

قال العضو في مجلس النواب الأمريكي «جو ويلسون» الثلاثاء إن المجلس أصدر قراراً بالوقوف إلى جانب الشعبين التركي والسوري، وضد نظام الأسد “الوحشي”، في أعقاب الزلازل المدمرة التي ضربت المنطقة.

وقال المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا «جويل ريبورن» إن القرار يدين نظام الأسد ويعارض رفع العقوبات الأمريكية عنه وتحويل المساعدات الأممية إليه، معتبراً أنه توبيخ واضح من الكونغرس للتطبيع مع الأسد. وأضاف «ريبورن» إنه نتيجة تهاون إدارة بايدن حيال العقوبات المفروضة على النظام السوري، بدأت بعض الدول العربية بالتطبيع مع النظام وتجاهل قانون “قيصر”، الذي يهدد بعواقب وخيمة للتطبيع. معتبرا أن تخفيف العقوبات لن يساعد في الإغاثة من الزلزال، ولن يؤدي إلا لتعريض المدنيين السوريين للخطر من خلال إثراء النظام. وتابع: رغم ذلك ليكن معلوماً أن الكونغرس سيواصل الوقوف مع قانون قيصر على أساس الحزبين، وتعزيز العقوبات على الأسد وأولئك الذين ينخرطون في هذا النظام الهمجي.

فيما قال كبير الجمهوريين وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي «جيم ريش» إن الموجة الأخيرة من التطبيع مع الأسد لن تفيد شركاءنا العرب وستفتح الباب فقط أمام عقوبات أمريكية محتملة. وأضاف أن الزلزال المأساوي لم يبرئ جرائم الأسد ضد الشعب السوري، ويجب ألا يكون هناك إعادة تأهيل (للأسد) أو إعادته لجامعة الدول العربية.

وكان “التحالف الأمريكي من أجل سورية”، قد أجرى قبل إقرار مجلس النواب الأمريكي للقرار، سلسلة اجتماعات مع سياسيين أمريكيين في مبنى الكونغرس، ضمن حملة مناصرة قام بها في واشنطن، تهدف لمنع وصول المساعدات الإنسانية في أعقاب الزلزال المدمر لنظام الأسد، الذي يحاول الاستفادة منها سياسياً.

وأصدر النائب «فرينش هيل والنائب بريندان بويل» (الرئيسان المشاركان لمجموعة أصدقاء سوريا الحرة والمستقرة والديمقراطية) البيان التالي وذلك ردًا على لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري المتهور مع الرئيس السوري بشار الأسد.

«إن لقاء وزير الخارجية المصري مع الرئيس السوري بشار الأسد يعزز قدرة الأسد على الاستفادة من الزلزال المدمر الأخير للتلاعب في طريق عودته إلى جامعة الدول العربية والاستفادة من الكارثة الطبيعية لكسب تعاطف زعماء العالم. وطوال هذه المأساة، استمرت قوات الأسد في شن هجمات بالمدفعية والصواريخ على المناطق الأكثر تضرراً من الزلزال في شمال غرب سوريا. ولا ينبغي لأي دولة ذات سيادة أن تقع في حبائل حيل إظهار الأسد المزعوم للتواضع والمسكنة أو لحاجته إلى المساعدة، وخاصة دولة حليفة للولايات المتحدة مثل مصر. ولا يزال الأسد قاتلًا بربريًا لشعبه ويجب أن يظل منبوذًا دوليًا بسبب جرائم الحرب الموثقة جيدًا والتي لا جدال فيها التي ارتكبها نظامه منذ ما يقرب من اثني عشر عامًا».

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية «نيد برايس» في الإحاطة الصحفية اليومية للوزارة، إن الموقف الأمريكي من “نظام الأسد” لم يتغير، والآن ليس وقت التطبيع، وليس وقتًا مناسبًا لتحسين العلاقات مع “نظام الأسد”. وأضاف برايس، نعتقد أننا قادرون على الوفاء، والبلدان في جميع أنحاء العالم يمكن أن تفي بهاتين الحتميتين، مع تلبية الاحتياجات الإنسانية للشعبين، التركي والسوري، دون تغيير، أو تحسين علاقات مع نظام الأسد.

وقال «محمد الغانم» مسؤول السياسات في “المجلس السوري الأمريكي”، إن إقرار مجلس النواب الأمريكي لمشروع القانون السوري الذي عملنا عليه في الكونغرس بتصويت 414 عضو بنعم و2 لا فقط رسالة للأسد ولمن يريد أن يطبع مع الأسد من مجلس التواب الأمريكي برمته: لا تطبيع مع سفاح سورية ولا رفع للعقوبات.

جهود عربية للتطبيع مع القاتل:

وتسارعت خلال الأسبوعين الماضيين، وتيرة جهود بعض الدول العربية للتطبيع مع نظام الأسد، تحت ذريعة تقديم المساعدات الإنسانية الخاصة بالزلزال، وسط مخاوف من استغلال الوضع من أجل إعادة النظام “للحضن العربي”.

وأبرز تلك الزيارات كانت لوزير الخارجية المصري، «سامح شكري» الاثنين، وهي الزيارة الأولى منذ قطع العلاقات بين دمشق والقاهرة عام 2011. وجاءت زيارة وزير الخارجية المصري بعد اتصالات بين الأسد والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وهو الأول بين الطرفين من وصول الأخير إلى السلطة في 2014.

كما أجرى وزير الخارجية الأردني «أيمن الصفدي» زيارة لدمشق الأسبوع الماضي، التقى خلالها رأس النظام بشار الأسد، وهي الأولى له منذ عام 2011.

إضافة إلى اتصال لأول مرة بين الأسد وحاكم البحرين «حمد بن عيسى آل خليفة» رغم عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ 2018.

ولعل الحدث الأبرز كان الزيارة العلنية التي قام بها الأسد إلى سلطنة عمان ولقائه السلطان «هيثم بن طارق» في أول رحلة رسمية يجريها إلى مسقط منذ أكثر من عقد.

ويأتي ذلك عقب إعلان وزارة الخزانة الأمريكية تخفيف العقوبات جزئياً عن نظام الأسد، وإعفاء أية معاملات متعلّقة بجهود إغاثة ضحايا الزّلزال في سورية من العقوبات، وذلك لمدة 180 يوماً (6 أشهر)، وحتى تاريخ الثامن من أغسطس/آب المقبل.

وبموجب تلك الإعفاءات سمحت بجميع المعاملات والأنشطة المتعلقة بالإغاثة من الزلزال لمدة 6 أشهر، والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات المفروضة على نظام الأسد.

ليست هناك تعليقات