آخـــر ما حـــرر

اعتقلوهم لأجل حريتكم.. فاعملوا أي شيء لأجل حريتهم



من الصعب أن نتصور أن في الأرض عذاباً وشقاء أشد مما يلاقيه المعتقلون في سجون «نظام الأسد» الطائفي الإرهابي!. ومن هذا المنطلق يصعب أن نتخيَّل واجباً أوجب من العمل على «ملف المعتقلين».

في معتقلات الأسد يستخدم السجانون كل أنواع التعذيب التي تخطر بالبال والأخرى التي لا ينالها الخيال!. فالضرب والحرق والطرق والخنق والبتر والتكسير والكهربة والتبريد والتعطيش والتجويع والإهانة.. كل ذلك حاضر في أقبية السجون وبالحد الأعلى الذي غالباً ما ينتهي بالموت.

في أدبيات الحياة البشرية يشكل الموت هاجساً مرعباً للناس لكن الموت في «سجون الأسد» هو غاية وأمنية، ففيه خلاص من برنامج ملحمي لا ينتهي، ونهاية لمأساة معقدة، تفقد الضحية فيها أي إرادة لفعل أي شيء، حتى الصراخ أحياناً.

الجلادون في «معتقلات الأسد» فاقدون لأي إحساس بالإنسانية بل إنهم لا يملكون بعض القيم الحيوانية!. التعذيب الضحية  بالنسبة هو شهوة جامحة وليس مجرد وظيفة أو تكليف عسكري.. فهم يستمتعون بالتعذيب إلى درجة أنهم يبلغون ذروة المتعة عندما تبلغ الضحية ذروة الشعور بالعذاب ويصدر صاحبها أصواتاً غريبة لا تشبه الصراخ الذي يعرفه الناس.. فهو صراخ مختلط بالحزن والغضب والقهر.. وهي الأصوات التي تشفي غليل الجلاد.



الوقت في «سجون الأسد» لا يمضي، وعقارب الساعة لا تدور، وكأن الكون يتوقف عن الدوران، مع أن السياط تتحرك دون هوادة والصراخ يبلغ عنان السماء ويرتطم بالكواكب ليحركها، دون جدوى.. هي السجون اللئيمة، لئيم كل ما فيها المكان والأشخاص والأدوات والوقت.

في «معتقلات الأسد» تنجرح الضحية وتتورم ويتغير لونها حتى يصبح كلون الليل شديد البرودة والعواصف.. لكن هذا لا يعفيها من تلقي جرعات إضافية من التعذيب في وجبة قادمة كمن يعاود تسخين الطعام في اليوم الثاني والثالث والرابع.

في «سجون الأسد» الشيخوخة والطفولة والأنوثة والمرض والإعاقة كل ذلك لا يعفي صاحبه من التعذيب، بل قد يكون ميزة لصاحبها لنيل كمية إضافية من أهوال العذاب والتنكيل.

في سجون العالم عادة ما يكون نزلاء السجون من شرار الناس ومجرميهم، لكن «سجون الأسد» لا يدخلها إلا أفاضل الناس وأماثل البشر، مع تخليطة سيئة يختارها «أمنيُّو المعتقلات» لأغراض مخابراتية معروفة..

في سجون العالم يحتجز السجين ليخضع لبرامج إصلاحية عسى أن يعود إلى مجتمعه يوماً ما وقد تغير جذرياً لجهة الخير.. بينما يخضع السجناء في «سجون الأسد» لبرامج لتعليم الإرهاب فالسجين الذي لم يحتجزوه كمجرم يسعون لإطلاقه حين يتقبل أن يكون مجرماً.. والبقية يقتلون أو يضمرون.

في سجون العالم يطلق سراح السجين ليعود إلى بيته ويلتقي بأهله المشتاقين إليه.. لكن الأمر مختلف «في سجون الأسد» فقد يخرج الكثيرون من السجن ليوضعوا في حافلات أو ناقلات مفخخة فتحيلهم رماداً أو قطعاً من اللحم ممزقة تتطاير في السماء، فيحقق النظام الحاقد بهم هدفاً سياسياً، أو مكسباً عسكرياً، أو غرضاً شيطانياً، يصعب التكهن به.

في «سجون الأسد» قد يخرج السجين من زوايا السجون المظلمة حاملاً ما تحصَّل عليه من جروح وقروح وأمراض وهزال، ليجد نفسه في جبهة قتالية، قد تكون في بلده أو خارج بلده!. فبينما كان أسيراً مظلوماً، فإذا به مقاتل لا تمثل الجريمة بالنسبة إليه عقدة ذنب، لنكتشف أن التعذيب الذي انهال على جسده كل ذلك الوقت قد تسلل إلى عقله ووجدانه فصار شخصاً مختلفاً عن الذي اعتقلوه.

في «سجون الأسد» ثمَّة طقوس خاصة لإخلاء السبيل لا يمكن أن توجد في مكان آخر!. حيث يؤمر السجناء المخلى سبيلهم بالهتاف للرئيس الأسد «شيخ السجانين» فيهتفون «بالروح بالدم نفديك يا بشار».. وكأن في ذلك رسالة مفادها: أن الروح التي لم تزهق طيلة فترة الاعتقال، يجب أن تبقى تحت الطلب حين يلزم بذلها فداء للطاغية.

في «سجون الأسد» قد يكون إخلاء السبيل مجرد إجازة مؤقتة سرعان ما تنقضي ليعود المسكين مرة ثانية فتطويه المعتقلات دهراً جديداً لا يمكن التكهن بنهايته.. وتلك الإجازة لها عدة أهداف منها إيصال رسائل تخويف لمن تبقى لديه بقيَّة شجاعة للنقد أو الاحتجاج أو الصمت أحياناً.. ومن تلك الأهداف انتفاخ المعتقل بمعلومات إضافية تضاف إلى ملف اتهامه الذي ربما كان فارغاً في المرة الأولى.

لو أدرك المهتمون بالشأن السوري العام هول ما يلاقيه السجناء من شقاء لما قبلوا أن يكون ملف المعتقلين مادة للتفاوض!. فهذا الملف «فوق تفاوضي» لأنه جريمة بحق الإنسانية تستحق العقاب ولا يصح أن تتحول إلى جائزة أو مكسب للنظام.

يعيش المعتقلون في السجون على أمل أن أهلهم السوريين لم ينسوهم أبداً!.. بل إن شغلهم الشاغل هو العمل على رفع معاناتهم وإنهاء أزمتهم، فلا تخيِّبوا ظنهم الحسن فيكم، فقد تكونون في جوارهم يوماً ما، وتهمسون في آذانهم كلمة صادمة معناها، أن حياة الملذات وصخب الأفراح وضجيج الأسواق لم تتعطل بعد اعتقالكم، وقليل من الناس من يفكرون بكم، ومعهم تلك الحزينة التي تثير البواكي على حالها، وتتلوى في محرابها حزناً وأنيناً ودعاء لابنها.

نتساءل دوماً بأي ذنب يعتقل هؤلاء وبأي ذنب يعذبون كل هذا العذاب؟. ومن الذي منح السجان الحق بكل هذا الجبروت والطغيان؟. لا شك أن هناك خللاً كبيراً في بنية المجتمع صنعته آلة الرعب الحاقدة جعلت كثيراً من الناس يصمتون على ذلك الظلم المريع.

في معظم الأحيان يخرج السجين إلى المجتمع ليمضي ما تبقى له من عمره صامتاً ذاهلاً لا يشارك الناس أحاديثهم وخاصة تلك التي تتعرض للسجون، وقد يتعمد تغيير الحديث أو اعتزاله مع أنه إذا أوى إلى النوم فبانتظاره كوابيس لا يتخلص منها إلا بصحوته مذعوراً.

أيها السوريون الأحرار عليكم أن تتذكروا أن «سجون الأسد» احتوت أشخاصاً عملوا لأجل حريتكم فبادلوهم المعروف واعملوا لأجل حريتهم.

عبدالناصرالحسين... 24/10/2020.

ليست هناك تعليقات