تثوير المال يصنع الانتصار... لا تسييسه وتحزيبه
ليس من المبالغة القول بأن الشعب السوري قتل
بالمال وشرد بالمال ودمرت بلاده بالمال!.
المال الذي نهبته عائلة الأسد من خيرات
سورية على مدى نصف قرن من الزمان مرفوداً بالمال الإيراني المنهوب من قوت الشعب
الإيراني الذي يكابد الفقر والعوز على مدى سنوات حكم ولاية الفقيه.
فبالمال اشترى هؤلاء الأشرار مواقف
دولية وأبرز مثال على ذلك شراؤهم للمواقف الروسية!. فمعظم «الفيتوات الروسية» قبض
بوتين ثمنها، وأكبر ثمن قبضه بوتين من ملالي طهران هو ثمن التدخل الروسي المباشر
عسكرياً في سورية نهاية 2015.
وبالمال اشترى هؤلاء أقلاماً لصحفيين
وإعلاميين وأشباه مفكرين ومنظرين. سواء كانوا في المحيط العربي أو حتى الغربي،
بهدف تسخير أقلامهم لنشر رواية النظام السوري القاتل على أوسع نطاق وبهمة واجتهاد.
كما اشتروا صحفاً عربية وأخرى أجنبية، أو حجزوا فيها زوايا خاصة للغرض ذاته.
ومن البدهي أن السلاح اللامحدود عبر
سورية بمال لا محدود، وكذلك تجنيد مئات الآلاف من القتلة المجرمين الذين عبروا
الحدود السورية متعطشين لشرب الدماء مدفوعين بأحقاد ثأرية انتقامية.
ويدفع المال اليوم لإعادة اللاجئين
السوريين إلى سورية، لتوضع رقابهم على مذبح القتل الطائفي، لكن هذا المال كان حتى
اللحظة مالاً مهدوراً، لان عودة السوريين إلى أرض المحارق والمذابح هي شبه
مستحيلة.
وفي الوقت الذي رأينا كتلة الشر سخية
في دفع الأموال للقتل والإجرام والتدمير والتهجير نراها بخيلة في دفع أي جزء من
المال لتحسين الأوضاع المعيشية للناس، وصناعة مشاريع نهضوية وإنمائية في بلدانهم،
وقد توقف بذل المال عند مسألة «إعادة الإعمار» دون خجل من التاريخ والقيم
الإنسانية النبيلة.
وعلى الضفة الأخرى فقد حضر المال في
«الثورة السورية» مبكراً منذ البداية, المال الذي دعم المشاريع الإغاثية ومشاريع
الترميم والجبر، والمال الذي دعم المعركة العسكرية سواء للفصائل الثورية أو الأخرى
الإسلامية المشبوهة.
وبهذين المعنيين يمكن الحكم على مال
الدعم بأنه مال قاصر عقيم!. يحمل عناوين
سيئة، يقول لمحور الشر: اقتلوا واجرحوا من شئتم, حاصروا وهجروا من شئتم، احرقوا
ودمروا ما شئتم، فسوف نضخ بعض الأموال للجبر والترميم, واجلبوا جحافلكم من كل مكان
فسوف ندعم جنود ثورة الحق لتقاتلكم.
فإذا كان مال الدعم مقتصراً على هذين
المعنيين فهذا يعني أن معركة المال خاسرة!. وثورة السوريين بحاجة إلى المال الذي
يوقف القتل ويضع جداً للجريمة ويسقط النظام ويحاكمه. تحتاج الثورة إلى المال الذي
ينزع الشرعية عن النظام القاتل ويمنحها للشعب الحر الكريم. الثورة تحتاج إلى المال
الذي يحقق انتصاراً في معركة الرأي العام ومعركة الحقوق ومعركة السياسة.
المطلوب اليوم وقبل اليوم وبعده تثوير
المال بمعنى أن يسخر جزء كبير من مال الدعم أو مال التبرعات في خدمة العمل الثوري
الذي نراهن عليه في عملية الحسم النهائي.
فالإعلام الثوري يحتاج إلى مال كي
يتمكن من إحراز الحرب الإعلامية الضروس التي يشنها مثلث الشر والإرهاب ضد أهلنا
وبلدناـ ولا يشترط أن نمتلك ما يمتلكه العدو من أدوات الإعلام ووسائله، لنحرز ذلك
النصر ونهزم روايتهم، لأن روايتنا لا تحتاج الكثير من المال للتفوق عليهم، وأعتقد
جازماً أن المال الذي كان يصرف على فصيل عسكري واحد كان يكفي لهزيمة إعلام النظام
وحلفائه على كوكب الأرض كله.
وتحتاج الثورة إلى المال لدعم معركة
الحقوق بعد وضعه في الأيدي الأمينة لورشات العمل القانوني من قضاة ومحامين وناشطين
في حقوق الإنسان، ليتمكنوا من رفع الدعاوى المناسبة ضد مرتكبي جرائم الحرب
والجرائم ضد الإنسانية في سورية, ودعم ملف المعتقلين والشهداء والجرحى والمغيبين
قصرياً والمهجرين،، وتسويق حق المرأة السورية والطفولة السورية في المحافل
الدولية.
كما تحتاج الثورة إلى المال لدعم ناشطي
الحراك الثوري بكل مكان، برواتب مستمرة وكافية، ليتفرغوا لمتابعة مسيرتهم الثورية،
من نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ووقفات احتجاجية، والدعوة إلى حملات المناصرة
والتأييد، وإلقاء المنشورات والكتابة على الجدران وغيرها من الأنشطة.
والثورة تحتاج إلى تقديم المال
للناشطين في المجال السياسي وهم يخوضون معركة «فرض العزلة» على النظام دولياً
وعربياً بتصديره كمجرم حرب يضر بالأمن والسلم الدوليين، ومعركة «فك عزلة» الشعب
السوري الذي بات يرى العالم كله متآمراُ عليه متخاذلاً في نصرته، فالعمل السياسي
يحتاج إلى المال لأن السياسي الحقيقي لا يرقد في مكان واحد منتظراً المواقف
الجاهزة، لكنه هو الذي يسعى لصنع الموقف والقرار ورسم الخرائط وتغيير الوقائع.
أما فنون الثورة فلا تقل أهميتها عما
سبق ذكره من غناء وشعر ومسرح ومهرجانات وملتقيات وأمسيات شعرية ومنتديات ثقافية
وملتقيات فكرية ومهرجانات خطابية وهذا كله يحتاج إلى المال لتخرج الثورة بثوب جذاب
وجميل بعيداً عن الشكل الصحراوي الذي فرض عليها. يشحذ الهمم ويبعث الأمل ويغذي
العقول والمهج والأرواح.
لا شك أن المال الثوري سيحمل مضامين
إغاثية بحد ذاته فالراتب الذي يقدم لشاب نشيط في الحراك الثوري سوف تستفيد منه
أسرته في المخيمات أو في دول اللجوء، وهذا المال بالتالي سيكون سبباً في تحشيد
أكبر عدد ممكن في صفوف الثورة ويمنع تسرب البقية المتبقية من العمل الثوري تحت
ضغوطات الحياة المتزايدة.
حرر بتاريخ 25-9-2014,, تم التحديث
بتاريخ 28-12-2018
الكاتب والباحث السياسي. عبدالناصرالحسين
ليست هناك تعليقات