الانتخابات المزيفة قالت كلمتها.. وكلمة الفصل في عهدة القوى الثورية
شاهد العالم كله بهاتة وبياخة الانتخابات
الرئاسية التي أجراها «نظام الجريمة» في سوريا.. وتوقع الجميع أن تكون النتائج
المعلنة مغايرة تماماً لواقع الحال.. الواقع الذي أثبت رفض السوريين لبقاء مجرم
الحرب ورموز حكمه في السلطة، بل إن معظم السوريين يطالبون بمحاكمته وتخليص الشعب
من سطوته.
واقع الانتخابات الأسدية برهن مرة أخرى
أن هذا النظام المافيوي يمثِّل في كل شيء، ويكذب في أي إجراء يفعله، لكن اللافت
للجميع هو حجم ذلك العهر السياسي الذي مارسه النظام يوم انتخاباته الهزلية، حيث فتح
«رأس النظام» الستار في مدينة «دوما» في خطوة غبية ظن من خلالها أنه سينجح في
إرسال رسالة للعالم بأنه السيِّدُ الوحيد للبلاد حتى على المدينة التي استخدم فيها
سلاحه الكيماوي ضد أهلها في 3013، وربما لم ينتبه إلى أنه يعيد- بهذا التصرف الأرعن-
ذكرى أليمة لا يمكن أن يغفرها له السوريون مهما طال الزمن.
في عملية تشريح بسيطة لن نجد صعوبة في
استنتاج أن هذا النظام وفي أحسن الأحوال لن يتحصل على أكثر من 25% من أصوات
السوريين.. فنصف سكان سوريا هم خارج البلاد ولم ينتخبه منهم سوى قلة قليلة منهم،
وأكثر من نصف المقيمين في سوريا هم خارج سيطرته، وهم رافون له، بقي الربع الأخير
الذي أجبر معظمه على انتخابه تحت طائلة المحاسبة فيما لو امتنع أحد عن التصويت.
لكن الأهم من كل هذا هو ما يحدث في الجنوب
السوري في بلدات حوران التي انتفضت على محاولات النظام زرع صناديق الاقتراع هناك
فعمد الأحرار إلى نسفها ومهاجمة المراكز الانتخابية في تعبير واضح عن الرفض القطعي
لحكم الأسد الإرهابي. ليشهد اليوم التالي الخميس اشتباكات حقيقية أعادت للذاكرة ذكريات
الأيام الأولى لثورة الكرامة السورية التي انطلقت من مهد الثورة، حيث انطلقت ثورة
السوريين من تلك الرحاب الأبية التي احتضنت آلاف الشهداء، في تأكيد واقعي على أن
المهد مازال وفياً للولادة الأولى وخروج ذلك المولود المبارك.
ليس مفاجئاً إعلان النظام أمس الخميس
عن فوز الوريث القاصر بنسبة كاسحة بلغت الـ95،1%، فهذا رقم يختاره هو في أقبيته
الأمنية، ولا علاقة للانتخابات به لا من قريب أو بعيد، فهو يكذب ويعلم أنه يكذب
ولا يخجل من كذبه، ويعلم أن الناس جميعاً يعلمون أنه كاذب، بمن فيهم سيدة الشرور
وناهبة بيت المال أسماء الأخرس، وتقول في نفسها: لا بأس يازوجي الطرطور، تستحق
الهزيمة بنسبة أقل من خمسة بالمئة، ففزت بنسبة زادة عن التسعين بالمئة ولا فرق
كبيراً بين الرقمين.. مبروك.
سيبيت رأس النظام ليلته متفككاً
متبعثراً، باحثاً عمن يهنئه بالنصر المزور من خارج محور «الممانعة» القاتل، وهو
يدرك أن المعجزة لن تحدث لتنهال عليه التهنئات من زعماء العالم. سيمضي ليلته وهو
يفكر بردود الفعل الدولية الرافضة لتلك المهزلة وهو يدركأن المعجزة ستحدث غالباً
حين تنهال عليه الصفعات من هنا وهناك، عبر مواقف شاجبة لما فعل مصحوبة بإجراءات قد
تفاجئه وتقلق راحته.
وفعلاً بدأت المواقف تظهر حيث دعا
مسؤول في الخارجية الأمريكية، المجتمع الدولي إلى رفض محاولة نظام الأسد الحصول
على الشرعية من دون حماية الشعب السوري واحترام التزاماته، بموجب القانون الدولي
واحترام القانون الإنساني وحقوق الإنسان، مؤكّداً أن الانتخابات الرئاسية التي
تجري في سوريا ليست حرة ولا نزيهة وغير معترف بها.
وأوضح المسؤول الأميركي، في مؤتمر صحفي
أن الولايات المتحدة تدعم بشكل تام القرار 2254 الذي يدعو إلى إجراء انتخابات حرة
وعادلة بموجب دستور جديد، تجري تحت إشراف الأمم المتحدة ويشارك فيها النازحون
واللاجئون والموجودون في الشتات.
مضيفاً: أعتقد أن حظوظ منافسي بشار
معدومة في الفوز بالانتخابات الرئاسية الصورية هناك. بشار هو بعثي تقليدي والسؤال
الوحيد لأي بعثي عندما يكون هناك انتخابات رئاسية هو أن يحصل على 99 في المئة أو
99.9 في المئة، ونحن في أمريكا لا نرى في الأسد شريكاً.. والانتخابات الصورية التي
ينظمها اليوم لا تعطينا ثقة أكبر بأنه يريد أن يكون شريكا في السلام، وسنواصل
السعي لدفع العملية قدما بحسب القرار 2254 وصولاً لتحقيق هدف الانتقال السياسي
الحقيقي.
وليس لدينا أي نية في تطبيع علاقاتنا
مع نظام الأسد، وندعو كل الحكومات التي تفكر في تطبيع علاقاتها معه إلى التفكير
بروية في الطريقة التي تعامل بها الرئيس السوري مع شعبه، ومن غير الممكن تخيل
تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع نظام كان متوحشاً مع شعبه. كما
طالب المسؤول الأميركي حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها إلى أن يكونوا حذرين من
فكرة التطبيع مع دمشق، والتفكير بإمكانية تعرضهم لعقوبات قاسية لو تعاملوا مع نظام
الأسد، والتفكير ملياً بالوحشية التي مارسها ضد الشعب السوري خلال العقد الماضي.
وفي أمريكا كذلك وجه أعضاء في الكونغرس
الأمريكي عن الحزب الجمهوري انتقادات لاذعة لإدارة الرئيس جو بايدن متهمة إياها
بالتساهل مع نظام أسد استرضاءً لإيران.
جاء ذلك في خطاب وجهه ثلاثة من أبرز
أعضاء الحزب الجمهوري، يوم أمس، إلى كل من وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ووزيرة
الخزانة، جانيت يلين.
وقال النواب الثلاثة في الخطاب: نكتب
إليكم للتعبير عن مخاوفنا بشأن الفشل في فرض عقوبات على نظام الأسد الوحشي في
سوريا، أكبر حليف لإيران في الشرق الأوسط، بينما تتفاوض الإدارة مع إيران بشأن
العودة للاتفاق النووي الإيراني الفاشل.
وأضاف الخطاب: في الشهر الماضي، ذكرت
قناة فوكس نيوز أن إيران تنتهك العقوبات الأمريكية بإرسال أربع سفن تحمل أكثر من 3
ملايين برميل من النفط الإيراني إلى مصفاة بانياس لتكرير النفط في سوريا، وكما
تعلمون، فإن مثل هذه الإجراءات ستكون انتهاكاً واضحاً للعقوبات الأمريكية على كل
من إيران وسوريا.
وأشار إلى أن الكونغرس أقر «قانون قيصر»
لحماية المدنيين في سوريا بدعم من الحزبين، وفرضت بموجبه إدارة ترامب ما مجموعه ست
حزم عقوبات مختلفة على نظام أسد وداعميه.
وأعرب النواب عن قلقهم العميق من رفض
إدارة بايدن فرض أي عقوبات بموجب قانون قيصر بعد مرور أكثر من 100 يوم من توليه
المنصب.
وأكد النواب مخاوفهم من أن يعيد
التاريخ نفسه، وقالوا: نحن قلقون من فشل إدارتكم في تطبيق قانون العقوبات الأمريكي
على واحد من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان حول العالم، والذي قتل نصف مليون شخص، كتنازل
لإيران للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الفاشل.
وقال النائب بريان ستيل في الخطاب إنه
وزملاءه في لجنة الدراسات بالحزب الجمهوري ملتزمون بالتحقيق والكشف عن أي تخفيف
للعقوبات يتم تقديمه لإيران وحلفائها كجزء من جهود العودة إلى خطة العمل الشاملة
المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني).
بدوره قال النائب البارز جو ويلسون: لقد
باعت صفقة إيران الشعب السوري في المرة الأولى، وأخشى أن يعيد التاريخ نفسه.
في حين وصف النائب جيم بانكس رفض
الإدارة لفرض عقوبات على أنه جزء من محاولة «الرضوخ لآية الله».
ويرى محرر «شبكة حقيقة الإعلامية» أنه
لا تناقض في الأخبار الواردة من الولايات المتحدة، سوى أن هناك فروقات واضحة في
ارتفاع سقف الجمهوريين على سقف الديمقراطيين تجاه نظام الأسد، مستحضراً تصريحات
أمريكية سابقة للإدارة الأمريكية تؤكد أن نظام الأسد يشكل تهديداً للأمن القومي
الأمريكي. ومستحضراً التأكيدات المتكررة على رفض الاعتراف بشرعية النظام وبنتائج
انتخاباته.
ومن المواقف التي ظهرت سريعاً بعد
الانتخابات «الهزلية» في سوريا ما جاء عن المفوض السامي للاتحاد الأوربي، فقد قال المفوض السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون
الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، إن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بنتائج
الانتخابات الرئاسية السورية. وإن الانتخابات الرئاسية في سوريا لا تستجيب لمعايير
التصويت الديمقراطي.
ومدد الاتحاد الأوروبي، الخميس،
العقوبات المفروضة على النظام السوري، عاماً إضافياً حتى 1 يونيو/ حزيران 2022، في
ظل استمرار عمليات قمع السكان المدنيين في البلاد. حيث أفاد بيان صادر عن مجلس
الاتحاد الأوروبي، أن لائحة العقوبات تضم حاليا 283 شخصا مستهدفا بتجميد الأصول
وحظر السفر، بسبب مسؤوليتهم عن أعمال القمع ضد المدنيين. وأشار البيان إلى أن
العقوبات تضم أيضا 70 مؤسسة خاضعة لتجميد الأصول، منها البنك المركزي السوري، فيما
شهدت القائمة شطب خمسة أشخاص متوفين. وأفاد البيان بأنه تم تصميم العقوبات في
سوريا لتجنب أي تأثير على المساعدة الإنسانية، وبالتالي لا تؤثر على توصيل الأغذية
والأدوية والمعدات الطبية.
ويفرض الاتحاد الأوروبي عقوباته على
النظام السوري، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2011، وفي كل عام يعيد النظر في تلك
العقوبات.
أياً يكن من أمر الانتخابات السورية
فإنها لن تقدم أو تؤخر من حقيقة الحال شيئاً، ففي سوريا نظام مستبد فاسد مجرم،
وفيها شعب أبي صابر ثائر. وفي العالم خذلان وبهتان كبيران، لتبقى كلمة الفصل في
عهدة القوى الثورية التي لازالت خارج اللعبة الساسية لأنها لا تجيد لعب «الطرنيب
السياسي».. ومتى فعلت فلن يكون صعباً حل القضية السورية لصالح شعب قدم تضحيات تصلح
للإسقاط ألف «بشار الأسد».
ليست هناك تعليقات