البنتاغون يذهب إلى تعطيل المعركة التركية
رأي المحرر
صحيح أن لقاء القمة الذي جمع «أردوغان
وبوتين» في 29سيتمبر الماضي، في «سوتشي» لم يرشح عنه معلومات معلنة غير أن الدلائل
تشير إلى أنه إكمال لما بدأه الرئيسان من صفقات رسمت خرائط توزيع النفوذ ما بين
روسيا «الأسد» وتركيا «الاخوان».
فروسيا مهتمة باسترجاع معظم الأراضي
السورية لمصلحة نظام الأسد، لتعلن عن نجاح خططها أمام العالم، وتركيا مهتمة بإقامة
«كانتون سنِّي» في الشمال السوري، يحكمه «الاخوان المسلمون» ويتبع تماماً لتركيا.
وكل من تركيا وروسيا لن ينجح بتحقيق ما يرغب إلا بتبادل الصفقات، بحيث توافق روسيا
على شن تركيا معركة «شرق الفرات» مقابل أن توافق تركيا على منح روسيا «الطرق
الدولية» وما حولها، وتضمن تركيا لجم الفصائل المسلحة من أي عمل، فهيئة تحرير
الشام جاهزة للتسليم، والجيش الوطني غير معني بالتصادم مع النظام وهذا ليس من
اختصاصه الذي تقرره تركيا.
ظنت تركيا أنها ذاهبة لمعركتها شرق
الفرات، فاصطدمت بالموقف الأمريكي الذي لا زال متمسكاً بشركائه من «قوات سوريا
الديمقراطية»، ويبدو أن لقاء «بايدن أردوغان» على هامش قمة العشرين كان سلبياً
جداً لتركيا بهذا الخصوص، مع ظهور بوادر إيجابية باتجاه آخر، لا يفيد تركيا اليوم.
حين يصطدم الموقف التركي بالجدار
الأميريكي ويعطل جزءاً من الصفقة «التركوروسية» سوف تتجه تركيا لتعطيل الجزء
المتعلق بروسيا، وخاصة أن تركيا ستتلمس طرف مؤامرة «أمريروسية»، وهو الأمر الذي لا
تطيقه السياسة التركية.
تلك عقدة الحكاية، حكاية سوريا
الجريحة، فهل تقتنع أطراف الحرب بأنها لا تستطيع المضي قدماً بتهورات الحروب، وأنه
آن الأوان لإطلاق «حكم المباراة» صفارة النهاية، وهذا ما يدعونا للاعتقاد أحيانا
أن الشأن السوري مركَّب على المفاجآت، فهل تأتي المفاجأة هذه المرة منهية عهداً
مقيتا من القتل والتدمير، أم أن شهية بعض القوى الدولية لدماء السوريين ما زالت
مفتوحة؟!.
وفي الخبر
شدد الناطق باسم البنتاغون «جون كيربي»
على أن مقاتلي «قوات سوريا الديموقراطية» “قسد” هم شركاء الولايات المتحدة في
القتال ضد «داعش» في سوريا، وأن واشنطن تأخذ تلك الشراكة على محمل الجد.
ونوه الناطق إلى أن هذا النوع من
التعاون سيستمر، مكرراً التأكيد على حق القوات الأميركية في سوريا، أو أي مكان في
العالم، في الحماية والدفاع عن النفس، مردفاً أن القوات الأميركية ستستعمل هذا
الحق إذا تتطلب الأمر ذلك، (فيما يفهم منه بوجود قرار أمريكي خوض نزاع مسلح مع تركيا
في شمال سوريا، إن تعرضت قواتها للهجوم).
وخلال حديثه إلى الصحفيين في العاصمة
الإيطالية، روما، ضمن قمة دول مجموعة العشرين، الأحد، شدد الرئيس التركي، «رجب طيب
أردوغان» خلال لقاء مع الرئيس الأميركي، «جو بايدن» على معارضة بلاده الدعم الذي
توفره واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية السورية، والتي تعدّ حليفاً للولايات
المتحدة في الحرب ضد تنظيم «داعش» في شمال شرق سوريا.
من طرفه، شدد «بايدن» على نيته في
الحفاظ على علاقات بناءة وتوسيع مجالات التعاون وإدارة الخلافات بشكل فعال مع
تركيا، تبعاً لبيان عرضه البيت الأبيض، الأحد، وأظهر الرئيس الأميركي تقديره لمساهمات
تركيا لما يقرب من عقدين من الزمن في مهمة الناتو في أفغانستان.
كما أكد الرئيس الأميركي على ضرورة المؤسسات
الديمقراطية القوية، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، من أجل السلام
والازدهار.
وكان قد قال يوم السبت، مسؤول في
الإدارة الأميركية لرويترز، إن «بايدن» سينبه أردوغان في لقائهما من الإجراءات
المتسارعة، وأنه ينبغي تجنب الأزمات بعد أن هدد الزعيم التركي، الأسبوع الماضي،
بطرد عشرة مبعوثين أجانب، بمن فيهم المبعوث الأميركي، نتيجة سعيهم لإطلاق سراح رجل
الأعمال «عثمان كافالا» لكن «أردوغان» سحب تهديده يوم الاثنين.
يمكن وصف عداء البيت الأبيض لأردوغان
بأنه عداء موروث مارسه الرئيس السابق باراك أوباما، حيث شهدت تركيا في عهده
انقلابا عسكريا فاشلا، تم احتواءه في ساعات قليلة أعلنت أنقرة دون تردد عن دور
أميركي في دعمه.
بعد أسابيع لهذا العهد الأميركي الجديد
تحدث الرئيس «جو بايدن» مع «أردوغان» في اتصال هاتفي، بعد جفوة دامت زمنا منذ
دخوله البيت الأبيض، ظن البعض إنها تصحيح لمسار علاقات متوترة بين الطرفين، وإبداء
نوايا حسنة في تقارب البلدين على قاعدة طي كم الخلافات القائمة.
لكن بايدن فاجأ تركيا والعالم بعد يوم
من التواصل مع أردوغان، بإعلان أن "مذابح الأرمن في ظل الإمبراطورية
العثمانية عام 1915 تعد إبادة جماعية"، وهو ما وضع تركيا في زاوية حرجة بسبب
حدث لم تسقطه أميركا وأوروبا بالتقادم.
نعم.. إن تركيا مهمة للغاية بالنسبة
للولايات المتحدة في مواجهة روسيا، كما إنها مهمة لحلف شمالي الأطلسي (الناتو)
للسبب ذاته.. كما أن تركيا تمتلك ثاني أكبر جيش منتم
إلى الحلف، كما أن موقعها الاستراتيجي والقواعد العسكرية داخل أراضيها تجعل من
أهميتها مضاعفة، وأردوغان يهرع دائما لروسيا كل ما اهتزت علاقته مع الحلف.
ومن شأن مثل هذه الاستراتيجية أن تكون
متسقة مع رواية إدارة بايدن بأن (أميركا عادت) وبالتالي فلا بد أن النزاع الأول
الذي يقسم تركيا والولايات المتحدة سيكون هو الصراع في شمال شرق سوريا والشراكة
التي أبرمتها الولايات المتحدة مع القوات الكردية لوحدات حماية الشعب وحزب العمال
الكردستاني.
وهنا لم يصل النقاش إلى تفاهم تقوم
الولايات المتحدة بموجبه بعرض صواريخ باتريوت على تركيا كبديل لصفقة صواريخ إس 400
التي تعاقدت عليها تركيا مع روسيا وسببت الكثير من الجدل والصراع بين أنقرة وعواصم
حلف الناتو الأخرى وترفض واشنطن أن تعيد إلى أنقرة برنامج طائرات F35 الذي توقف بسبب مشكلة الصواريخ الروسية.
ولا ينسى أردوغان بأن بايدن بالفعل أظهر
كراهيته له، واصفا إياه بـ"المستبد"، كما أن أول مكالمة لبايدن مع
أردوغان بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه كانت فقط لإبلاغ الزعيم التركي بقراره التاريخي
الاعتراف الأميركي بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915.
ليست هناك تعليقات