اللوبي السوري يصل الكونغرس الأمريكي. وفي الأفق مفاجآت كبرى
رأي المحرر
احتاجت الثورة السورية منذ انطلاقتها-
وتحديداً منذ تزايد عدد المتدخلين في سوريا- إلى وجود «لوبي ضاغط» ملتصق بصانع
القرار الأمريكي لا يبرح الأمكنة التي يمكن أن تحقق المعارضة الثائرة من خلالها
اختراقات في المواقف الأمريكية.
صحيح أن أمريكا هي القوة الأعظم في
العالم غير أن تأثير «اللوبيات» على السياسة الأمريكية غير خاف على المتابع
الدقيق لكيفية اتخاذ القرارات في المطبخ الأمريكي.
لكن يجب التأكيد على أن «اللوبي» له
شروط ومزايا، فيجب أن يكون محترفاً للسياسة ملتصقاً بالقضية وأبنائها، يجلب النفع
ويبعد الضرر، فكلنا يعلم أن هناك أفراداً «يندحشون في كل محفل» للتخريب، فمنهم من
يستثير الأمريكان، ومنهم من يستعدي الإسرائيليين، ومنهم من يظهر الغلظة والجفاء مع
الأوربيين، ثم يدعي أنه يلعب السياسة باحتراف.
فبينما هو ذاهب للحديث عن الشأن السوري
تراه- فجأة- يدين الاستيطان الإسرائيلي، أو يهاجم حرية الصحافة في فرنسا والتي
أفضت إلى قضية الرسوم الجدلية، وربما يتطرق إلى الباغوز أو هوريشيما وناغازاكي،
ولا ينسى أن يعرج على «الهنود الحمر» بحكم كونه واسع الثقافة. لكن بعقلية
ضيقة، أو هي العمالة والخيانة، والحديث هنا عن هادي البحرة وأمثاله.
وفي الخبر
إلى العاصمة الأمريكية واشنطن؛
وتحديداً إلى مبنى الكونغرس الأمريكي، ذهب السوريون مُحمّلين بآمالٍ عدّة علّهم
يستطيعون تغيير شيءٍ من الواقع المرّ الذي يعيشه سوريو الداخل، اقتنصت منظمة «أمريكيون
من أجل أمريكا آمنة» (C4SSA)
وهي منظمة سياسية أمريكية فرصة اجتماع الكونغرس لعقد سلسلة اجتماعات مع أعضائه.
مصادر خاصة لأورينت حضرت الاجتماع قالت:
إنّ الهدف النهائي من حضورهم تلك الاجتماعات أن يحمل عضو مجلس الشيوخ أو عضو مجلس
النوّاب الذي كان حاضراً هناك رسالةً واضحة من الجالية السورية بما يتعلق بالموقف
السياسي من نظام الأسد، يقول المصدر: "من أهم حضور تلك الاجتماعات ما تم عقده
مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي «روبرت مينينديز» فمثل هذه
الشخصيات تأثيرهم ليس فقط في الكونغرس، إنّما على الإدارة الأمريكية وكيفية صنع
السياسات الأمريكية برمّتها".
وأشار المصدر إلى أنّ «مينينديز» وعدهم
بأنّه سيعمل على نقل وتأكيد مواقف الجالية السورية إلى لجنة العلاقات الخارجيّة
التي يترأسها، وإلى الإدارة الأمريكية، يقول المصدر: "ما يهمنا هو التركيز
على الكونغرس الأمريكي، فأعضاء الكونغرس بشقيّهم الجمهوري والديمقراطي معارضين
ومعادين للنظام، وينظرون لبشار الأسد كمجرم حرب، وهذا الشيء يجب أن نستفيد منه،
أما الإدارات فإنها أحياناً تُبدي بعض التراخي في بعض المواضيع، نحن نعمل مع الكونغرس
من أجل "شدّ براغي" الإدارة الأمريكية إذا ما حاولت إبداء أي نوع من
التراخي أو إعادة التموضع التكتيكي بما يتعلق بالقضية السورية.
الصحفي والسياسي السوري أيمن عبد النور
قال: إنّ الاجتماع ليس فقط ما شهده بعض الحضور في القاعة الرئيسية، فالاجتماعات
الحقيقية بحسب عبد النور هي الاجتماعات الثنائية، وما دار خلف الكواليس، لتحديد
خطوة العمل المقبلة: "أغلق الكونغرس الأمريكي الآن أبوابه ولغاية آخر شهر
يناير/ كانون الثاني 2022، وعند عودة العمل سيكون هناك «مشروعان كبيران» جاهزان
بخصوص سوريا سيُقدّمان للكونغرس مباشرةً"، ورفض عبد النور الإفصاح عن ماهيّة
تلك المشاريع، غير أنّه يؤكد: "لا نستطيع تغيير عمل الإدارات الأمريكية في
جلسات، هذا عمل مستمر ومتواصل، ولا يمكن أن يتم بشكل متفرد".
خلال الاجتماع؛ تحدَّث الأمريكيون عن
تجاربهم في الأزمة السورية، وشهاداتهم عن الزيارات إلى مخيّمات الشمال والوضع
الكارثي هناك، وتحدث المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري عن تجربته خلال
وجوده كمبعوث لسوريا، وتعتقد مصادر خاصة تحدّثت لأورينت أن هناك شيئاً قادماً في
الأفق: "خروج قانون حصر ثروة بشار الأسد يحمل ملاح تحدٍ كبير، هم وصلوا لغرفة
نومه، هذا الأمر خطير، هناك مفاجئات قادمة".
المؤتمر الذي عُقد بمبنى الكونغرس
الأمريكي يُعتبر أقوى مؤتمر للجالية السورية منذ وجودها في أمريكا منذ عام 1908،
في عام 2016 تمّ ترخيص أوّل منظمتين سياسيّتين سوريّتين تعملان على الأراضي
الأمريكية، ومنظمتي لوبي.
وخلال الاجتماعات التي عقدت يؤكد عبد
النور أنّه حتى أولئك الذين كانوا يقفون ضد السوريين، والذين حضر بعضهم الاجتماع أبدوا
رغبة بالتعاون، وتشكيل لجان مُتابعة، وسيُرسل عدد منهم رسائل "قاسية
جداً" لعدد من الدول، يقول عبد النور: "هناك عمل كبير سيحدث في المستقبل
القريب".
رئيس هيئة التفاوض السورية أنس العبدة
وأحد الحاضرين لتلك الاجتماعات قال لأورينت نت إنّ الاجتماع الذي عُقد في مبنى
الكونغرس من شأنّه أن يُساعد السوريين الحاضرين هناك على الالتقاء بأعضاء الكونغرس
الأمريكي وتبين ماهيّة القضية السورية لهم.
وأشار العبدة إلى أنّ الهدف الأساسي
لتلك المُشاركة هو استمرار حصار النظام، ومنع أي عمليّة تعويم أو إعادة تطبيع معه،
وحث الإدارة الأمريكية وأعضاء مجلس الشيوخ على الالتزام بالعقوبات وتعزيزها وليس
تخفيفها، إضافةً التأكيد على وحدة الحلفاء بمن فيهم الأوروبيون والأتراك والعرب
والأمريكيون، نحن بحاجة لنكون نقطة ضغط حقيقية بالعمليّة السياسية، يقول العبدة:
"بالنهاية لن يكون هناك إعادة إعمار أو دعم لإعادة الإعمار دون وجود حل سياسي
شامل في سوريا"، وأضاف: "ملف المعتقلين والمحاسبة والمساءلة، وفتح كافة
المسارات في العملية السياسية كان ضمن جدول أعمالنا في واشنطن".
أمريكا وبديل الأسد
الحديث عن بديل بشار الأسد أخذ حيّزاً
كبيراً في تلك الاجتماعات، وكانت وجهات نظر الحضور الأمريكيين مُتباينة تجاه هذا
الموضوع، فمنهم يرى أنّ شقيقه ماهر سيرثه في حكم سوريا، في حين بقي بعضهم الآخر
حائراً لا يرى أيّ بديل، أندرو تابلر تساءل أمام الحضور عن الخليفة المحتمل لبشار
الأسد في حال موته.
إحدى أعضاء الكونغرس الأمريكي تساءلت
أيضاً عن البديل المحتمل للأسد، مؤكدةً أنّ السوريين بين أنفسهم منقسمون وغير
مُتفقين على أيِّ بديل، يقول عبد النور: "مشكلتنا ليست بالأفراد، المشكلة هي
منظومة عمل وإدارة وفريق عمل متكامل، وهذا ما نفشل في تشكيله".
لا ضمانات على الإدارة الأمريكية
يقول عبد النور: "الاتجاه الظاهر
حالياً يدلّ أنّ المفاوضات النووية مع إيران لا تسير بطريقها للتوقيع، نحن نعمل
حالياً على ألا يتم توقيع أي اتفاق يسمح لإيران بأن تكون قوّة إقليمية كما كان
عليه الحال في الاتفاق النووي أيام أوباما، الولايات المتحدة مُتشددة جداً في هذا
المجال".
وكشف عبد النور أنّ السفير جيمس جيفري
أكد على أنّ أمريكا هي من أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لضرب إيران، وإنّ ما حصل في
ميناء اللاذقية كان بإيعاز أمريكي، وسيتم ضرب القوات الإيرانية الموجودة على
الأراضي السورية بشكلٍ أفضل، حيث إنّ المعلومات الأمنية الأمريكية أفضل من تلك
التي تمتلكها إسرائيل، وبعد تلك المعلومات بدا أن الضربات الإسرائيلية باتت أكثر
قوّة ودقّة، وهذا ما أكّده الإسرائيليون أنفسهم لجيفري.
مصادر أورينت أكّدت أنّ السوريين
الموجودين في مبنى الكونغرس قالوا وبشكل مُباشر لأعضاء الكونغرس إنّهم يرفضون
توقيع أي اتفاق على حساب الشعب السوري، وأشارت المصادر إلى أنّ حضور السوريين
بمبنى الأمم المتحدة في سبتمبر فتح موضوع التطبيع بشكل كبير وأحدثوا زوبعةً هناك،
واليوم وفي مبنى الكونغرس تمّ إعادة ذات الزوبعة بما يخص المفاوضات مع إيران
والتوقيع على حساب السوريين.
يُذكر أنّ الاجتماع شهد حضور عدد كبير
من الشخصيّات السورية والأمريكية الوازنة كفريدريك هوف وجيمس جيفري، ونائب مساعد
وزير الخارجية الحالي ايثان غولدريتش، وتود يونغ ومايك براون وهما أعضاء عن الحزب
الجمهوري، وروبرت مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، وبريندان
بويل، والعضو الأقدم في مجلس العلاقات الخارجية السيناتور الجمهوري الحالي وحاكم
ولاية ايداهو الأسبق جيمس ريش، والنائب الديمقراطي ماكسين ووترز وهي رئيس كتلة
النواب السود وثاني أقدم نائبة في البرلمان الأمريكي.
ومن سوريا حضر عشرات السوريين من
الجالية السورية هناك، إضافةً إلى ممثلين عن الائتلاف وهم أنس العبدة وهادي
البحرة، وعبر منصة زوم تحدث الشيخ معاذ الخطيب، والشيخ أسامة الرفاعي والدكتورة
بسمة قضماني وآخرون.
إذن؛ وحتى عودة الكونغرس الأمريكي،
ستبقى المشاريع التي تحدّث عنها السوريون حبيسة أدراج ذلك المجلس، بانتظار أن
تُساهم بالمزيد من حصاره في قصره، وخلال هذه المُدّة أيضاً فإنّ القوانين التي
سنّها الكونغرس الأمريكي مؤخراً والتي وصلت إلى غرفة نوم الأسد ستبقى تُلاحقه في
حلِّه وترحاله وستُساهم بزيادة عُزلته.
ليست هناك تعليقات