آخـــر ما حـــرر

من هو الداعم الحقيقي للمشروع الإيراني

 



عوامل عديدة ساعدت النظام الإيراني باختراق المنطقة العربية والعبث فيهاـ إلى درجة تفوق الوصف والخيال، ومعظم تلك العوامل كان ذاتياً.

فعلى الرغم من كل ما ارتكبته «المجموعة الإيرانية» من جرائم قتل وتدمير وتهجير وتفقير في المنطقة فإنها لم تدخل «الثقافة العربية» كعدو حقيقي للأمة، مع امتلاكها لكل مقومات العداء.

فهذا الركن الثقافي المرتبط بأعداء الأمة محجوز لصالح «إسرائيل» إلى درجة أنه مهما عربدت إيران في المنطقة فإن سقفها العدائي محكوم بالسقف الإسرائيلي لا يتجاوزه، حتى قال قائلهم: لو قتلت إيران نصف العرب لانقسم النصف الباقي ما بين مطبِّل لإيران ومستنكر لها.

لقد كانت إيران مرتاحة لما تفعله من شرور في «العراق وسوريا ولبنان واليمن والأحواز» وغيرها من الدول لأن الخطاب العربي لا زال يعتبر «قضية فلسطين» هي قضية العرب الأولى.

لا أحد يجادل في أهمية قضية فلسطين وأنها قضية حق عربي، لكن الحق لا يلغي حقاً آخر في مكان آخر، تتدفق فيه شلالات الدماء وتشتعل الحرائق بفعل آلة الحرب الإيرانية إلا إذا كانت هناك «بورصة» تصنف بعض الدم أغلى من البعض الآخر.

نعم.. لم تدخل إيران (والمقصود دوماً نظام الملالي) لم تدخل دائرة اهتمام المثقف العربي!.. بل إن جزءاً لا يستهان به من المثقفين «العروبيين» يناصر إيران سراً وجهراً، غير آبه بالضحايا الذين أسقطهم مشروع الملالي ما بين قتيل وجريح وشريد ومغتصب.

لدى إيران «خطة خمسينية» للسيطرة على المنطقة برمتها، خطة تسربت من داخل البيت الإيراني في لحظة انتشائهم بانتصارات منفوخة حققوها في العقد الأخير من الزمن. وما كان للإيرانيين أن يحرزوا نقاطاً كبيرة على الأمة العربية والإسلامية إلا لأنها حظيت بتضامن من داخل الأمة.

فقد كسبت إيران تيار «الإسلام السياسي» المتمثل بتنظيم «الإخوان المسلمين» و«حزب التحرير»، وهؤلاء مثَّلوا جزءاً من جسر العبور بالنسبة لإيران، وقد أثروا على شريحة شعبية ونخبوية واسعة في المنطقة عازفين على وتر «المسجد الأقصى» والقدس لخطف مشاعر المسلمين.

كما كسبت رصيداً كبيراً من «التيار القومي» الذي يرى في إيران الراعي الأول لمحور «المقاومة»، وهؤلاء بدورهم أثروا على شريحة عريضة من المسلمين العرب، مسوقين إيران كحامية لأمن المنطقة من الاحتلالات الأجنبية.

ولم يقتصر جمهور إيران على الجهات السياسية والفكرية بل تجاوزه لكسب العساكر من تنظيمات القاعدة، فعلى الرغم من التباعد الإديلوجي الكبير بين تيارات القاعدة وبين المذهب الشيعي «الاثني عشري» فإن إيران نجحت بالإمساك بقرار المتشددين الإرهابيين فتجنبت خطرهم ووجهته إلى المنطقة.

وثمة أمر آخر ساعد الإيرانيين على إلحاق الأذى بالمنطقة بأقل إدانة ممكنة وهو «طائفية المشروع الإيراني» فبينما كشفت إيران عن عورات طائفية سافرة تجاهل المثقف العربي نقطة الضعف تلك بحجة تحاشي الصراع الطائفي، مما أغرى الإيرانيين بالإضرار بالمنطقة باعتبار الطرف الثاني غير راغب بخوضها فكرياً وسياسياً على الأقل، وكأنه يخشى أن يكشف عن عورة هو الآخر، علماً بأن مواجهة المشروع الطائفي لا يستلزم بالضرورة اعتماد خطاب طائفي أو نهج طائفي.

يتساءل الكثيرون: لماذا كانت الدول الغربية متساهلة إلى حد ما مع «الإرهاب الشيعي» بينما هي متشددة مع «الإرهاب السني»؟. والسؤال هنا مشروع وصحيح، لكن الأصح من ذلك هو أن الإرهابَين السني والشيعي أصلاً هما برعاية إيرانية من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإرهاب السني موجه أصلاً ضد «المسلمين السنة» (وهنا لا أتحدث بطائفية لكنني أقرأ السياسات).. وهنا تكمن خطورة «الشيفرة» في المشروع الإيراني!. تلك الشيفرة التي إن فككناها سهل علينا فهم الأجزاء المتبقية من التشابكات التي رافقت ولادة «الخمينية الحديثة».

فإيران التي خطط مهندسوها الاستراتيجيون للتمدد في المنطقة لجعل الأمة العربية والإسلامية في مواجهة الغرب هي التي وضعت «قواعد الاشتباك» لتنظيمات القاعدة وحاضنيها من أرباب «الإسلام السياسي» بحيث يستهدف هؤلاء المصالح الغربية أينما طالتها أيديهم منذ أن قرر تنظيم «الجهاد المصري» الاندماج بشكل كامل مع  القاعدة ليشكلا تنظيماً موحداً في فبراير/ شباط 1998، هو «الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين»، ومن تلك اللحظة بدأت مرحلة جديدة ومهمة من التعاون بين إيران والجهاديين العرب، سيكون لها العديد من التداعيات الإقليمية والدولية غير المسبوقة. فحين ينظر الغرب سيجد الضربات تأتيه عموماً من «السُنّة لا من الشِّيعة»، صحيح أن إجرام التنظيمات الشيعية مهول جداً لكنه لا يؤذي الغرب بل يضر مصالح الأمة والغرب ليس محامياً عن الأمة التي عليها هي أن تفك الشيفرة وتعمل على إنهاء «ورقة الإرهاب السنِّي» كأولوية أولى إذا ما أرادت أن تحجِّم مخاطر المشروع الإيراني.

ومع ذلك فهناك حقيقة مؤلمة لا بد من مواجهتها وإشهارها هي أن معظم الذين يطرحون السؤال السابق «لماذا يتساهل الغرب مع الإرهاب الشيعي» هم أنفسهم داعمو المشروع الإيراني، وهم أنفسهم الذين يروجون لفكرة أخرى وهي أن «الغرب وإيران متحالفان».

لقد اشتغل تيار «الإسلام السياسي» كثيراً على فكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية متحالفة تحالفاً عميقاً مع إيران مستدلِّين ببعض التقاطعات المصلحية التي حدثت في العقود الأربعة الأخيرة معرضين في الوقت نفسه عن سياسة العقوبات الأمريكية المستمرة على إيران، وسياسة العزل الدولي، ومنع إيران من حيازة «السلاح النووي».

ما الذي يريده الإسلامويون من ترويج أن الغرب- ومعه إسرائيل- في تحالف أبدي مقيم، في الوقت الذي يبدو فيه التحالف واضحاً بينهم وبين النظام الإيراني؟. المؤكد أنهم يريدون تحميل الغرب مسؤولية التغوُّل الإيراني في المنطقة ليختبئوا خلف تلك التهمة. والحق الذي يجب أن يقال: هو أنه وفي الوقت الذي يخاشن الغرب إيران، نجد الإسلامويين هم الذين يلاينون إيران فهم الذين يكسرون العزلة الإيرانية، ويفكون الحصار الاقتصادي المفروض عليها، ويستنكرون «ثورة الشعوب الإيرانية» ضد الملالي، ويروجون للمشروع الإيراني، ويستنكرون تصنيف «فيلق القدس» كمنظمة إرهابية، ويسلطون أذاهم ضد الأمة العربية.

أخطر ما في السياسة الإيرانية هو أن إيران تمرر أقذر الجرائم بأقل إدانة من قبل الضحية وأولياء الضحية!!!.. والأخطر من هذا أن إيران ترتكب الجرائم الفظيعة ثم يرتد الشتم والإدانة على الآخرين المنشغلين بالتضييق على إيران وخنقها وعزلها دولياً، لكن الأدهى من ذلك كله هو أن تتمكن إيران من تنفيذ كثير من جرائمها بأيدي خصومها.

من المفيد إدراك أن قوة إيران ناتجة عن ضعف خصومها، ومن المفيد معرفة أن إيران تحاول أن تظهر دوما بأكبر من حجمها بكثير، ومن المهم  أن نعلم أن إيران تروج لفكرة أنها حليفة للغرب، كما تستخدم إيران لغة التهديد من أجل لجم الآخرين عن أي تحرك ضد مصالحها.

لا يمكن لإيران أن تحقق كل تلك النجاحات إلا بمساعدة قوى سياسية وعسكرية من داخل الأمة!. صحيح أن إيران استفادت كثيرا من سياسة أمريكا في عهد أوباما لكن الفائدة الحقيقة تتأتى لإيران من تيارات إسلامية وأخرى عروبية، وهي ذاتها تصر على نشر مقولة أن الغرب متحالف مع إيران، وأن اسرائيل متضامنة مع نظام الملالي، وأن المواجهات العسكرية بين الفريقين ليست حقيقية، بل إنها مجرد مسرحيات لتلميع صورة محور «المقاومة والممانع». والسؤال المحير لهؤلاء: ما دمتم ترون أن إيران والغرب حلفاء على أرضية معاداتهم للمسلمين السنة فلماذا تتحالفون أنتم مع إيران؟.

سينكرون حتماً هذا الأمر الذي تفضحه مقالاتهم ومواقفهم ومنشوراتهم وتسريباتهم ومرجعياتهم الإعلامية المفضلة متمثلة بـ«قناة الجزيرة»، التي لا تألو جهداً في تلميع صورة ايران، وإبراز تفوقها المزعوم على العرب، وتصديرها كقائد لمحور المقاومة والممانعة.. ونعود هنا للحيرة في هذا المحور الذي يروج لفكرة التحالف «الايراني- الاسرائيلي» وفي الوقت نفسه تسويق ايران كدولة ممانعة ومقاومة.

يمكننا فك هذه الشيفرة المعقدة بسهولة، وذلك بعد الرصد الدقيق للخط الإعلامي لمحور ما يسمى «الإسلام السياسي».. فحين ترتكب إيران مجازر من الحجم الذي يصعب تغطيته ينطلق الإعلام الموالي لإيران لينشر أن إيران فعلت ما فعلت بضوء أخضر أمريكي وآخر إسرائيلي... وذلك بهدف التخفيف من وطأة الإدانة ضد إيران وتوزيع التهمة على الآخرين.

وعندما تستهدف أمريكا- أو إسرائيل- إيران بضربة موجعة يعمل هذا الفريق على التقليل من أهمية الأمر، بل واعتباره مسرحية سيئة الإخراج!.. لماذا؟. حتى لا تنعقد مقارنة في أذهان الناس بين المحور «الأمريكي الترامبي» القاسي تجاه إيران، وبين «المحور الإخواني» المتضامن مع إيران.. وبالمقابل عندما يلوح في الأفق سراب إيراني ما، يشير من بعيد إلى قوة إيران تجد «قناة الجزيرة» حاضرة لتضخيمه وتفخيمه بل ومقارنته بالعرب من قبيل النكاية والكيد.

لماذا توصي «قطر» عملاءها الإعلاميين وخاصة «السوريين والفلسطينيين» بالتأكيد على أن «الاستهدافات الاسرائيلية» لقواعد إيرانية وأخرى تابعة لنظام الأسد الطائفي هي مجرد مسرحيات متفق عليها؟؟؟.

لا بد من التأكيد أولاً أنها تعليمات إيرانية وتنفِّذها قطر، وأن هناك سببين عميقين لهذا السلوك:

♦ السبب الأول: حتى لا تنعقد مقارنة بين جهتين: إيران التي تسحق الشعب السوري بكل قذارة وهمجية.. وإسرائيل التي تعمل على إضعاف القوة الإيرانية، مما يجلب الترحيب الطبيعي للشعب السوري.. فتخشى قطر- ومن خلفها إيران- من تصنيف إيران كـ «عدو أول» بدلا من إسرائيل... وبالتالي الإبقاء على «القضية الفلسطينية» هي القضية الأولى في ذهن السوريين خصوصاً حتى لو قتلت إيران الشعب السوري بكامله.

♦ السبب الثاني: حتى لا تنعقد مقارنة بين إسرائيل التي تضايق إيران من جهة وبين «محور الإخوان المسلمين التركي القطري» الداعم لإيران.. وهي مقارنة فاضحة بكل معنى الكلمة.

ولأن العقل البشري مصمم فطريا على انعقاد المقارنات فيه، يسارع «الإعلام الإخواني» في كل مرة تستهدف إسرائيل إيران وحزب الله ونظام الأسد إلى رفض فكرة أن «إسرائيل تعادي إيران» ويحاولون جاهدين إثبات أنهما في تحالف مقيم، حتى لو أضرمت إسرائيل في إيران نار الجحيم.

مع أن «محور الإخوان» هو الذي يصر على التحالف المقيم مع إيران، حتى لو أضرمت إيران بالأمة العربية نار الجحيم. والغريب الذي لا يلتفت إليه كثير من الناس هو أن الفريق الذي يتحالف مع إيران هو الذي يتهم إسرائيل بالتحالف مع إيران.

عبد الناصر الحسين

ليست هناك تعليقات