كيف أدارت الثورة السورية "معركة الأثمان"؟.
لكل منفعة أو مصلحة يطلبها الإنسان في هذه الحياة ثمن.. وإذا عز المراد غلا ثمنه.. ومنطق الأشياء يقضي بأن المكسب المطلوب متناسب مع الثمن المدفوع.. ولا شيء في الحياة يستحق التكاليف الباهظة إلا إذا هدفاً نبيلاً أو غاية مرموقة.
قد يدفع البعض أثماناً باهظة فيجني حصادها
غيرهم، فإن كان هذا الغير ضمن حساباتهم فهذا نبل وكرم، وإن كان المستفيد خارج
حساباتهم فهذا غبن مؤكد.
لقد أطلق الشعب السوري ثورة الحرية والكرامة وهم
يعلمون أن ثمن الحرية كبير ويدفعه جيل واحد.. لكنهم يعلمون كذلك أن ثمن العبودية
أكبر وتدفعه أجيال كثيرة.
مع تطاول عمر «الثورة السورية» وتعقُّد
الأمور تبيَّن أن الشعب السوري دفع الثمن مرتين.. مرةً لأنه واجه نظاماً قمعياً
همجياً من الدرجة الأولى.. ومرة لأنه لم يكن موفقاً بالقيادات المشبوهة التي أمسكت
بقرار ثورته.
إن الثمن الذي دفعه الشعب السوري يستحق ألف
انتصار.. لكنه افتقد لمن يحوِّل ذلك الثمن لانتصار حاسم وجائزة تستحقها تضحيات
السوريين.
لقد تعمَّد النظام الطائفي المستبد أن يدفِّع
الشعب السوري أثماناً تفوق الهدف الذي خرج من أجله.. فمن خرج من أجل الحرية يجب أن
يسلب منه بقية الحرية التي كانت متاحة قبل «ثورة الحرية».. ومن خرج من أجل الكرامة
يجب أن يعيش بلا أدنى كرامة.. كانت متاحة له بالحد الأدنى قبل «ثورة الكرامة».
بعد أن أظهر السوريون استعدادهم لتقديم الدماء
والأرواح- وهي أغلى ما لديهم- اكتشفوا أن أرخص شيء يمكن أن يقدموه هو الدماء
والأرواح.. إذ كان مطلوباً منهم أن يستنزفوا ما هو أعز من الأرواح وهي «العزة
والكرامة»..
في «معركة الأثمان» ظهر النظام بمنتهى
الخسَّة!. حين حارب السوريين بالسوريين.. فكان السوريون هم الخاسر الأكبر.. وحين
أحرق الوطن من مقدرات الوطن.. فكان الوطن هو الضحية الأولى.
في «معركة الأثمان» تعامل النظام بمبدأ أنه
ليس لديه ما يخسره.. فلا الناس ناسه ولا البلاد بلاده.. وكل ما يعنيه من الشعب أن
يكون صاغراً مطواعاً.. وكل ما يهمُّه من الوطن أن يكون مورداً للإثراء.
أصعب ما عاناه الشعب السوري أن يرى جزءاً من الثمن
الذي قدَّمه لنيل حريته وكرامته قد تحوَّل إلى نعمة يتمرغ بها من اختطفوا ثورته وأثروا
على حسابه.. وأنكد ما قاساه الشعب السوري أن تكون معاناته بعد الثورة أكبر بكثير
منها بعد الثورة.. ليعاني السوريون في الحالتين.. وأن يكون انتفاع «قراصنة الثورة»
بعد الثورة أكبر من انتفاعهم قبل الثورة.. لينتفعوا في الحالتين.
إن طول أمد الصراع أسهم في تكبيد السوريين
مزيداً من الأثمان.. فطاحونة القتل لازالت تحصد مزيداً من الأرواح.. وآلة التعذيب
مستمرة بسلبهم أي ذائقة الحياة.. وعصابة النهب مهتمَّة بالإجهاز على آخر رغيف خبز
يقتاتونه.. حتى بدا واضحاً أن الذين يديرون أمور الثورة غير راغبين بانتهاء تلك
الملحمة التي درَّت عليهم مكاسب لم يكونوا يحلمون بها.
ليس كل ما دفعه الشعب السوري كان ثمناً للحرية
بل إن جزءاً كبيراً منه كان ضريبة لخيانة «المعارضة والقادة» لتضحياته المباركة.
لقد وقع الشعب السوري ضحية لطاغوتين: «طاغوت
سوريا بشار الأسد ومعه الباطنة والحاضنة».. و«طاغوت المعارضة والقيادة» وكلاهما
أدار «معركة الأثمان» بطريقة إجرامية بغيضة.. فالأول كان مستعداً لصرف «الملايين
المملينة» لقتل السوريين ولإذلالهم والثاني كان حاضراً للنهب والاستثمار.. وكل ذلك
حدث بأموال الشعب السوري.. فأموال الشعب
كانت ثمناً للسلاح الذي قتل به.. وأموال الشعب كانت هدفاً للسطو والارتزاق.
يجب التسليم بأن الذين أداروا «معركة الأثمان»
قد خانوا الأمانة التي أوكلت إليهم.. فدفع الشعب السوري ثمن حريته ولم ينلها..
وثمن كرامته ولم ينعم بها.. وثمن غدر إخوته المفترضين فاكتوى بنار غدرهم.
لقد انقسم المشهد الثوري إلى فريقين: فريق
قدم كل شيء وآخر حظي بكل شيء.. فريق للمغرم وفريق للمغنم..
لكن أحداث «ثورة التاريخ» أثبتت أن للسوريين
المظلومين لعنة تصيب كل من ظلمهم وآلمهم.. وأن الكرامة التي سعى إليها الأحرار
ستصيب الجميع لكن الأحرار وحدهم هم من سيتذوقون طعمها ويتمتعون بجمالها.. وسيحتفل
الجميع بالحرية لكن الأحرار وحدهم سيفرحون بقدومها.
يوماً ما سيرتدي الجميع رداء الحرية والكرامة
لكن العبيد سيخلعونه في أول مناسبة تبعث فيهم حنينهم للعصا.. والفضلات.. أما
الأحرار فسيدخلون به التاريخ ليقدموا للأجيال اللاحقة منهاج المجد والبناء.
عبدالناصرابوالمجد... 13/10/2020
ليست هناك تعليقات