لقد استشاط
طاغية سورية وحلفاؤه غيظاً عند اندلاع ثورة الكرامة ، وكان يوماً أسود ذلك
اليوم الذي هتف الشعب بإسقاط النظام ، بعد أن تعود على أن يرى الرؤوس تنحني
إجلالاً له فإذا بجيل من الشباب الحر ممن لم يدخلوا إلى مصانع العبودية ينتفض
على حكم المعاتيه ويهز أركان عرشهم .
أحدثت ثورة
الكرامة السورية انقساماً عمودياً في المجتمع السوري بين أحرار ثائرين وعبيد
خانعين ، فانحاز الأحرار إلى خيار الثورة ، بينما اصطف العبيد مع النظام
القاتل ، فلا يقدّر قيمة الحرية إلا السادة الأحرار الذين سكنت في قلوبهم
معاني الرفض والإنكار .
من المحال أن
تتخلى جوقة العبيد عن العيش في قعر حذاء الطاغية الفاجر ، فهؤلاء يزداد حبهم
للقاتل كلما ازدادت جريمته ، كما أنه من المحال أن ينحاز الأباة الأحرار إلى
قطيع العبيد الذي يطوف حول الصنم مهما زادت سطوته ، فللأحرار مكان آخر حيث
المجد والمكرمات .
لقد واجه نظام
الأسد المظاهرات السلمية بوابل من النار دون تمييز ، بقصد قتل أكبر عدد ممكن
من المتظاهرين ، لكن جيش النظام لم يكن مستعداً لمواجهة مثل تلك الظروف ولا
مهيأ لإطلاق النار على الناس ، قبل أن يقوم النظام بترويضه والاحتيال عليه ،
إضافة إلى الضغط الذي مارسه على أفراد الجيش بقمع المتظاهرين بالرصاص الحي
تحت طائلة المحاسبة بالخيانة العظمى .
يعلم الشعب
السوري الثائر - من واقع التجربة مع النظام القاتل - أن للحرية ثمناً لابد من
دفعه ، وقد أبدى الشعب جاهزية كاملة لدفع الثمن حتى لو كان منتهاه الموت ،
لأن الموت شهادة وكرامة ، لكن النظام المجرم - وبرعاية من حلفائه - أصر أن
يكون الموت هو أقل ثمن يمكن أن يدفعه الثائرون على سلطته .
مع اندلاع ثورة
الكرامة السورية مارس الوريث القاصر هوايته المعتادة في التفنن بالتعذيب
مستخدماً أعتى أدوات التنكيل بالمتظاهرين ، فقد أراد أن يجعل من ثمن الحرية
أكبر بكثير من قيمة الحرية ذاتها ، ليتخلى الناس عن هذا المطلب الأشد خطورة
عليه من وقع الصواعق .
علينا الإقرار
بأنهليس كل ما يتلقاه الشعب السوري
الجريح من فواجع وأهوال هو ثمناً للحرية التي طالب بها وثار لأجلها ، فالجزء
الأكبر – في الحقيقة – هو ضريبة لتخلف الآخرين وأخطائهم ، من الذين يمسكون
بزمام الأمور وتصدّروا المشهد الملحمي ثم لم يكونوا أهلاً له .
لقد دفع الشعب
السوري من التضحيات ما هو أكبر من حجم أهدافه ، وقدم من الدماء ما هو كفيل
بإسقاط عروش كثيرة قائمة على البطش والجبروت ، وأظهر من البطولات ما تعجز كل
الأدبيات عن وصفه ، لكنه بالمقابل لم يجد من النخب المعارضة من يحسن ترجمة
أسباب النصر إلى نصر وتحرير .
صحيح أن ثمن
الحرية كبير ! لكنه يدفع مرة واحدة ، ويدفعه جيل واحد ، لكن ثمن العبودية
يدفع كل يوم وعند كل طقس من طقوس المذلة والهوان ، وتدفعه أجيال كثيرة على مر
الزمان .
يستمد الطغاة
بقاءهم من سكوت الناس على ظلمهم ، ويبنون أمجادهم من خضوع الناس لهم وخوفهم
من بأسهم، كالعين التي تكره الضياء إذا طال مكثها في الظلام ، حتى إذا طال
تعايشهم مع الخسف والهوان صاروا يألفونه.
واجه نظام الأسد المظاهرات السلمية بوابل من النار
مراجعة بواسطة naser
في
ديسمبر 04, 2019
التقييم: 5
ليست هناك تعليقات