روسيا تريد دستوراً يؤبِّد للأسد بعد تزايد الأصوات لمحاكمته
رأي المحرر
دأبت «شبكة حقيقة الإعلامية» على
التأكيد دوما على رفض أي حل أو مسار يعيد إنتاج نظام الأسد الإجرامي.. بما في ذلك
الفعاليات المتعلقة بـ«اللجنة الدستورية» وملتقيات «أستانة».
معظم ثورات «الربيع العربي» انتهت بطيِّ
صفحة العهد البائد مع أنها انتفاضات واجهت طغاة أقل دموية وإرهابا من «طاغية سوريا»
بأشواط بعيدة. فلماذا لا يطرح في سوريا إلا فكرة واحدة تتعلق بالحل السياسي الذي
يراعي بقاء النظام أو مخلفاته الأمنية في مستقبل سوريا؟.
هذا هو أحد أهم «الأفخاخ» التي وقعت
بها بعض «قوى الثورة» من الممسكين بقرارها السياسي، والمتصدرين للمشهد السوري. فقد
جرى العمل على تطبيع «الأفكار الهزلية» وكأنها حقائق فكرية تنم عن نضوج سياسي.
فالملاحظ أن من وصل إلى مكان خاطئ في العمل السياسي قد تمترس به وكأنه «حق شخصي
مكتسب» وهو لا يفهم من رسائل التوبيخ المجمَع عليها سوى أنها صادرة عن جهات تحسدهم
على المقام الذي بلغوه.
لا يمكن تصور فريق من المعارضة يجلس مع
فريق من النظام القاتل للأطفال لصياغة دستور للبلاد!.. مهما تفلسفوا فهذا لا يسمى
إلا «خيانة عظمى» للدماء والتضحيات والعذابات المستمرة في مخيمات النزوح واللجوء،
ومراكز الاعتقال والتعذيب.
الرؤية الطبيعية التي يجب على كل حر
شريف أن يتبناها هي استحقاق نظام الأسد وحلفائه روسيا وإيران للرحيل التام
والنهائي عن سوريا، والعمل على إجراء محاكمة عادلة لكل المجرمين من «مثلث الشر
الإرهابي».
وبناء عليه يتحتم على كل المنخرطين
بالمسارات المشبوهة التخلي عاجلاً غير آجل عن مراكب الخيانة والعار، تأسيا بما
فعله العميد المنشق «إبراهيم جباوي» الذي حظي بترحيب بالغ من «جماهير ثورة الكرامة»
التي دفعت الأثمان الباهظة ثمناً للحرية، لا ضريبة للمراهقات السياسية والزعبرات
الخيانية.
إن تجاوز «النخبة السورية» لتلك الرؤية
هو ما شجع «لافرنتيف» على الإدلاء بالتصريحات الرهيبة التي تشترط على «الدستوريين»
إنتاج دستور يبقي الأسد في السلطة.
لكن الذي يجب الإشارة إليه وتجنب القفز
عنه هو أن الموقف الروسي الصادم جاء «ردة فعل» على تحركات دولية رافضة لبقاء الأسد
في السلطة، بل وداعية لمحاسبته، كما يتكرر هذا كل يوم تقريبا. كما جاء ردة فعل على
غياب إجماع (أو شبه إجماع) عربي على عودة النظام الطائفي إلى الجامعة العربية.
كما جاء رداً على بعض التفسيرات
المتقدمة حول الدستور والمتعلقة تحديداً بـ «مقام الرئاسة» و «البنية الأمنية» والقاضية
بتقليص صلاحيات الرئيس (بشكل عام طبعاً) لقطع الطريق على التأبيد للأسد.
يبدو واضحاً أن روسيا تندفع اليوم بنزق
سياسي لم يستطع أبواقها إخفاءه، فظهر على لسان مبعوث بوتين إلى سوريا، حيث جاء في
الخبر:
كشف مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، «ألكسندر
لافرنتييف» حقيقة الموقف الروسي من الملف السوري، فقد هاجم وفد المعارضة إلى
اللجنة الدستورية، مطالباً بألا يؤدّي الدستور السوري الجديد إلى إبعاد «بشار
الأسد» عن السلطة. وقال «لافرنتييف» في مقابلة مع «وكالة
تاس الروسية»: إن إنشاء الدستور السوري الجديد يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في
ذلك البلد. وأضاف أن حكومة النظام راضية عن
الدستور الحالي، وفي رأيها لا داعي لتعديله. وإذا رأت المعارضة ضرورة في ذلك يمكن
النظر في المقترحات التي تهمها وطرحها على التصويت في استفتاء أو الموافقة عليه
بأي صيغة أخرى.
ومضى «لافرنتييف» في تصريحه الاستفزازي
قائلاً: لكن إذا سعى شخص ما إلى هدف وضع دستور جديد من أجل تغيير صلاحيات الرئيس،
وبالتالي محاولة تغيير السلطة في دمشق، فإن هذا الطريق لا يؤدي إلى شيء.
ولم يكتفِ بذلك بل حاول تحميل المعارضة
مسؤولية عرقلة الحل السياسي قائلاً: إنه يجب على المعارضة أن تطرح بعض المقترحات الملموسة،
وألّا تنغمس في التكهنات بأنه لا يمكن أن تكون هناك تغييرات طالما أن بشار الأسد
في السلطة، واصفاً ذلك بالنهج غير البنّاء.
وقال «لافرنتييف»: إن كل التأخيرات
والمشاكل التي تظهر في عملية المفاوضات تم إلقاء اللوم فيها على عاتق دمشق. وإنه
من الخطأ تحميل طرف واحد فقط المسؤولية، زاعماً أن المسؤولية تقع دائماً على عاتق
الطرفين.
ومن شأن التصريح الجديد أن ينسف كافة
المساعي الأممية والقرار 2254 القاضي بصياغة دستور جديد لسوريا وصولاً إلى حل
سياسي وانتخابات حرة ونزيهة تجري تحت إشراف الأمم المتحدة.
ويأتي تصريح «لافرنتييف» بعد أيام من
مشاركته في أعمال الجولة الـ 17 من مؤتمر أستانا الذي أقيم في العاصمة الكازاخية
نور سلطان، بحضور وفدي المعارضة ونظام أسد، وممثلي الدول الضامنة، تركيا وروسيا
وإيران.
ليست هناك تعليقات