إرهاب «الجندرما» يقطع الفرحة على ابن سوريا المهاجر.
رأي المحرر
كان يظن أنه دخل «باب السلام» وسيغمر قلبه الأمان حين شارف على الحدود
التركية، هاربا من جحيم سوريا، مستذكرا مصطلح «الأنصار» الذي روجوا له كثيرا،
لتعاجله رصاصة الغدر من الإخوة «إرهابيي الجندرما».
للمفارقة أن تركيا التي قتلت على حدودها مئات السوريين هي الأكثر
تمنناً على السوريين باستضافتهم مع أن هناك دولاً «كافرة» تقدم للسوريين الحياة
الآمنة والكفاية المعيشية والصحية دون منَّة ولا تفضُّل.
وكان الأوْلى بمن وصفوا بأنهم رمز للخلافة الإسلامية أن يكونوا الحضن
الدافئ والصدر الحاني لشعب ذاق كل ويلات القتل والتهجير.
على أية حال علينا أن نقر بأن القتل على الحدود الجنوبية التركية ليس
كل الحكاية، فما تسبب به مسار «سوتشي-أستانة» كان أشد فتكاً من فتك الجندرما. وتسلط
عصابة الجولاني وقيادات السوء في المحرر كان أعظم جرماً مما يقع على الحدود، وكل
ذلك كان بفعل تطبيق أستانة «الروسي التركي الإيراني».
وفي الخبر
على مسافة أمتار قليلة من تحقيق غايته،
رفع الشاب محمد أصابع النصر مستبشرا بوصوله إلى بر الأمان بعيدا عن بلاده
"البائسة"، لكن رصاصة عناصر حرس الحدود التركي (الجندرما) حالت بينه
وبين غايته وأنهت حياته بالقرب من الجدار الحدودي الذي يعيق وصول الكثيرين، ليكون
ضحية جديدة من أولئك المدنيين الفارين من جحيم الحياة في الشمال السوري.
وقتل الشاب «محمد تيسير رزوق» يوم
الأربعاء الماضي وهو المنحدر من بلدة «كفردريان» شمال إدلب جراء إصابته برصاص
عناصر حرس الحدود التركي (الجندرما)، أثناء محاولته اجتياز الجدار الحدودي للدخول
إلى الأراضي التركية من منطقة حارم شمال غرب إدلب.
ونشر الناشطون تسجيلا مصورا يظهر
اللحظات الأخيرة للشاب محمد وهو يلوّح بيديه ويرفع (أصابع النصر) استعدادا لمغادرة
آخر الأمتار في الشمال السوري باتجاه تركيا، لتكون تلك تحيته الموثقة بعدسات
رفاقه، وداعية لحياته وطموحاته المتمثلة بالبحث عن فرصة عيش آمنة بعض الشيء وفيها
ما يغني حاجته.
ولا شك أن الحادثة أثارت حزنا وغضبا في
جمهور الثورة السورية كونها تعد انتهاكا جديدا تجاه المدنيين الساعين لعبور الحدود
التركية طمعا بحياة مختلفة عن الواقع المرير في إدلب وأرياف حلب الذي رسمته ظروف
الحرب الطويلة وما خلفته من مآسي الفقر والتشرد والمستقبل القاتم لعشرات آلاف
الشبان.
ويعمد المئات من المدنيين العالقين في
الشمال السوري لدخول الأراضي التركية هربا من الواقع المتردي على الصعيد الاقتصادي
والأمني، أو في كثير من الأحيان للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي بحثا عن مستقبل
أفضل، لكن التشديد الأمني في الطرف المقابل يقف عائقا أمام لجوئهم وفي كثير من
الأحيان ينهي حياتهم برصاص الحرس الحدودي.
وتكررت حوادث مقتل المدنيين العابرين
للحدود السورية التركية برصاص "الجندرما" وكانت آخر تلك الحوادث سجلت
خلال الشهر الماضي بمقتل مدنيَين خلال محاولتهما الدخول "تهريبا" إلى
الأراضي التركية، في وقت يقول الجانب التركي إنه حريص على منع تسلل
"الإرهابيين" من سوريا إلى أراضيه، في إشارة إلى تنظيمَي (PKK) و(داعش) المصنفين على قوائم الإرهاب.
وكانت قوات حرس الحدود التركي الإرهابية
(الجندرما) قتلت في نيسان الماضي، 3 مدنيين بينهم امرأة، على الحدود السورية-التركية
من جهة ريف إدلب، اثنان منهم لقيا حتفهما جراء الضرب المبرح من قبل حرس الحدود.
وبحسب إحصائية غير رسمية لمنظمات محلية
فإنه قتل ما لا يقل عن 500 مواطن سوري خلال السنوات الخمس الماضية على الحدود
برصاص "الجندرما"، والتي تنتشر في مخافر ونقاط عسكرية على طول الجدار
الفاصل بين سوريا وتركيا.
وكانت منظمة «مظلوم در» الحقوقية
التركية أقرت في وقت سابق بالجرائم التي ارتكبتها الجندرما التركية ضد السوريين
وخاصة الأطفال منهم على طول الحدود السورية التركية وقالت في تقريرها: إن هناك
أطفالا فقدوا حياتهم في الأحداث الأخيرة بسلاح الجندرما الإرهابية في منطقة الحدود
مع سوريا وبعض هذه الانتهاكات وقعت خارج الجدار الحدودي وفي الأراضي المزروعة
والمراعي.
ورفضت المنظمة التبريرات التي تروّجها
السلطات، وقالت حينها: لا يوجد تهديد أو خطر يمكن أن يبرر موت الأطفال وانتهاك
حقهم في الحياة (...) لا يوجد إجراء يمكن أن يبرر موت أطفال الأشخاص الذين يحاولون
بالفعل البقاء على قيد الحياة في ظروف قاسية (...) هذه الأحداث التي قد تعطي
الانطباع بأنه لم يتم الاهتمام بها بالقدر الكافي، أو ربما حتى عن قصد، تشكل
استفزازا كبيرا للناس، معتبرة أن: تلك الحوادث هي انتهاكات خطيرة للغاية لا يمكن
وصفها بالأخطاء، كما أنها تستفز المواطنين السوريين.
ليست هناك تعليقات