آخـــر ما حـــرر

دواعي قيام الثورة السورية


 

إن ما حضر من دواعٍ لقيام الثورة السورية هو في الحقيقة مبرر لقيام ألف ثورة، فكثير من الثورات في العالم قامت لمجرد حضور مبرر واحد، وفي سورية حضرت عشرات المبررات، بل مئاتها، وما حضر من دواعٍ لقيام الثورة يجعلنا نقول: إن الثورة تأخرت كثيراً.

ويمكن إجمال دواعي قيام الثورة في هذه النقاط:

1.      لقد جاءت الثورة السورية في سياق الربيع العربي، حيث أسهمت الثورات التي سبقت ثورة الكرامة السورية بإيصال حالة الانفجار السوري إلى مستوى يصعب كتمه، إن الشعوب المتجاورة يعدي بعضها بعضاً في السلب وفي الإيجاب، وقد انتقلت عدوى الثورات إلى المسطح السوري. وصحيح أن شرارة الثورة التي انطلقت من أرض حوران تتعلق بفتية صغار كتبوا على جدار المدرسة "جاييك الدور يا دكتور" لكنها لو لم تندلع بهذه الشرارة لاندلعت بفعل شرارة أخرى، وفي مكان آخر في سورية، لأن المواقع السورية كلها محتقنة من ظلم النظام وبغيه وفجوره، لكن الذي حدث هو أن قطار الربيع العربي توقف مرحلياً أو أوقف، وربما خرج عن مساره أو أخرج، والسبب بكل بساطة هو أن الربيع العربي أصاب دولاً محسوبة على الغرب وقد تخلى الغرب بسلاسة عن حكام تلك الدول، أما في سوريا فقد وجد نظام الأسد قوى عملاقة تسنده وتمده بكل أسباب الجريمة والقمع، وبكل وسائل البقاء، متمثلة  في المجموعة الإيرانية وروسيا الاتحادية.

2.      أما السبب المباشر لاندلاع الثورة السورية فيتعلق باستبداد النظام وفساده، حيث وصل تسلط النظام على رقاب الناس إلى حد لا يطاق ولا تستطيع نخوة الرجال وكرامة البشر تحمله، فقد كان مطلوباً من الكائن البشري أن يفرغ من مضمونه الإنساني، ويحشى بمضامين بهيمية تنقاد إلى حيث يريد راعيها، ولا يبقى مما يشبه الإنسان سوى الجسد. وعلاوة على ذلك فقد أطبق الفساد على كل مفاصل الحياة وأركانها، فتفككت منظومة القيم والأخلاق في المجتمع السوري حتى صارت قيمة المواطن تقاس بالمال الذي يملكه، وبمعنى أدق بالمال الذي يبذله ليشتري به شيئاً من كرامته التي أريقت على أعتاب المستبدين، وبمعنى أعمق فإن قيمة المواطن مرتبطة بقيمة قرينه من الضباط والأعيان الذين يتقرب الناس منهم طلباً للمصلحة وتحاشياً للأذى، مما أدى إلى اندلاع ثورة الكرامة.

3.      لم تكن ثورة الكرامة السورية بدعة من الثورات لكنها جاءت في سياق ربيع عربي ساخن، وهذا الربيع العربي جاء أيضاً في سياق ربيع عالمي بارد ومتباعد في أحداثه، توصلت من خلاله أكثر شعوب العالم إلى انتزاع حريتها لكن بسلاسة أكثر بكثير من الحالة العربية.. وتحديداً الحالة السورية، وبالتزامن مع ثورة التكنولوجيا والمعلومات في العالم لم يعد خافياً على أحد أهمية وجود النظم الديمقراطية وبالمقابل خطورة بقاء النظم الديكتاتورية، فزمن الإقامات الأبدية للزعماء انتهى، ويجب أن نسلّم بأن الشعب السوري هو من الشعوب القليلة التي لا تنعم بالحرية والكرامة، ففي الوقت التي تفكر فيه شعوب العالم بمزيد من الرخاء والرفاهية ينشغل الشعب السوري بالهاجس الأمني، وباللهاث وراء لقمة العيش، مع أن الشعب السوري أحق من غيره في الحرية والكرامة حيث كانت سورية سبّاقة إلى الديمقراطية في المنطقة قبل أن تستولي عليها الديكتاتورية الطائفية.

4.      اندلعت ثورة الكرامة السورية في الوقت «بدل الضائع» حيث كان زنادقة الحكم يستكملون إجراءات تسليم سورية لإيران.. في عملية دقيقة لتغيير الجينات الوراثية للشعب السوري، بحيث يتم تغيير هويته العربية والإسلامية.. لتلتحق سورية بإيران كما التحقت العراق، فقبل اندلاع ثورة الكرامة السورية انتشرت دعوات محمومة ونشطة لنشر المذهب الشيعي في البلاد وخاصة في المناطق الفقيرة، ورصدت أموال طائلة لخدمة هذا المشروع، ومن هنا  يمكن اعتبار الثورة السورية هي بمثابة المنقذ لسورية الوطن من أيدي الخاطفين الماورائيين الخبثاء، وقد تم افتكاك الرهينة إلى حد كبير، لكن الرهينة «الوطن»- للأسف- أصيبت بجروح بالغة الخطورة، وهي في حالة حرجة، عافاك الله يا وطن.

5.      قامت الثورة السورية عندما تيقن الشعب السوري بأن الأفق مسدود أمامه لأي أمل بالنهضة والتطوير، وليس لدى الشعب السوري أي فرصة لمواكبة العصر، فقد قرر الطغاة دفنه في مقابر الوحشة والضياع، وعزله عن المحيط الخارجي حتى لا يرى أنماطاً أخرى في الحياة غير تلك التي أرادها له الطغاة. ولم يكن نظام الأسد يملك أدنى رؤية لمشروع نهضوي أو برنامج تنموي يخدم الشعب السوري، ويرفع من شأن سورية ولم يكن في يوم من الأيام أميناً على مصالح الشعب ومقدرات الوطن.. لأنه ببساطة لا يعترف أن للشعب السوري أدنى حق في سورية، معتبراً أن أرض الوطن وماءه وهواءه ملك له وهو المتفضل على الناس بما يملكون. إن التطور البطيء الذي حدث في سورية- في عهدي الأسد الأب والابن- كان تطوراً تلقائياً فرضته قواعد الصيرورة الطبيعية، وكان الجزء الأكبر منه يحدث بأيدي السوريين دون دعم من الحكومة وخارج نطاق الموازنة.. ومع ذلك فإن حركة التطور السورية- قياساً لمثيلاتها في العالم- تعد تراجعاً إلى الوراء، وعندما كان يحاول النظام تزيين سورية بمشروع حداثي وعصري فإنه يصر على أن تستفيد منه عائلته وطائفته بالدرجة الأولى. صحيح أن شرارة الثورة التي انطلقت من أرض «حوران» تتعلق بفتية صغار كتبوا على جدار المدرسة «جاييك الدور يا دكتور».. لكنها- لو لم تندلع بهذه الشرارة لاندلعت بفعل شرارة أخرى، وفي مكان آخر في سورية فكل المواقع السورية تتمدد على براكين تعتصر غضباً واحتقاناً من ظلم النظام وبغيه وفجوره.

على أية حال ومهما تكن المبررات لقيام الثورة فإن الثورة خرجت من رحم الواقع المهين وحين يخرج المولود لا يمكن إعادته وإن أمكن قتله، فالمهم أنه ولد بمعنى أنه أثبت أن سورية ليست عقيمة ويمكن أن تلد كل يوم أجيالاً من البطولة والعطاء، ولئن كان للثورة- يوم مولدها- بعض المبررات لاندلاعها فلديها اليوم آلاف المبررات لاستمرارها.

ناصر ابو المجد 3/9/2015.

ليست هناك تعليقات