الخمينية الإيرانية مشروع تدميري
هي إذاً لحظة تاريخية يجب وعي تفاصيلها بإتقان، فوراء كل تفصيل نتجاهله تكمن كارثة كبرى وداهية عظمى، فإيران تحتل سورية، ولم يعد من الممكن التغاضي عن هذه الحقيقة أو إخفاؤها أو تزيينها، أو تلطيفها بعبارات سياسية من قبيل أنها تدعم النظام السوري بمستشارين عسكريين، وأنها تمده بالمال والسلاح، أو أن موقف إيران من الشأن السوري هو خيار سياسي يمكن مناقشته، فهذه العبارات فقدت معناها السياسي والفعلي، فإيران تقاتل على الأرض، وتغطي الأسد إعلامياً وسياسياً، وتدعمه بالمتطوعين من إيران وأفغانستان وباكستان، ومن كل جحر مظلم عميق.
منذ أن تزايد الحضور الإيراني في سورية، ومنذ أن اشتدت حاجة «نظام الأسد» للرعاية الإيرانية لم يعد «الأسد» هو من يقرر مصير العملية السياسية في سورية، أو سير المعارك، فأولويات طهران هي التي تحرك المقاتلين على الأرض، وهي ترسم الخرائط العسكرية، غير عابئة بأي اعتبار محلي أو دولي، فمصالحها ووجودها أهم بكثير من مآسي السوريين، ومن هجرتهم ولجوئهم ونزوحهم، وتغيير مصائرهم، فطهران تعتبر أن المعركة في سورية هي معركتها، وهي مرتاحة ضمنياً لحالة السكون العربي، والتغاضي الدولي وغياب استراتيجيات حقيقية لها في سورية.
استراتيجية إيران تقوم على تغيير الوقائع بما يضمن لها نفوذاً يمتد من طهران إلى البحر المتوسط، والتفرد في هذا النفوذ، بالإضافة إلى خطواتها في اليمن التي تجعلها تصل إلى باب المندب، وتهديد أمن الخليج واستنزافه، تمهيداً لفرض نفوذها على الخليج ودوله، والأمر العجيب أن أكبر عائق يواجه مشروع التمدد الإيراني هو الثورة السورية، وسوف تكون الأمور بخير عندما يعلن الثوار دون أدنى حرج أن إيران هي العدو الأبرز للأمة جمعاء.
نحن أمام لحظة فارقة في نضال الشعب السوري الثائر، فلم يعد هذا النضال موجهاً فقط تجاه النظام، وإنما هو أمام تحدٍ جديد، يتمثل في مواجهة الاحتلال الإيراني العميق، وهو ما سيتطلب قراءة سياسية مختلفة، بعيداً عن الأوهام والرغبات التي ما زالت تطبع القراءة السياسية لكثير من القوى، وتجعلها تقع في مطب الخفة السياسية في طرحها ورؤاها وحركتها، مع أنه من المؤسف أن الشعب الثائر أدرك هذه الحقيقة مبكراً، متقدماً على النخب الهزيلة، لكن من المفيد أن تتفق النخب والشعب على أن إيران هي العدو الأعدى والأخطر.
المشكلة في الاحتلال الايراني لا تكمن في أنه احتلال فحسب لكنه احتلال همجي قبوري ثأري متخلف، يهدف إلى تغيير الهوية والفكر والدين، وتشويه الإنسان، لتحويله من إنسان سويّ إلى إنسان يلطم ويصرخ كالمجانين البلهاء، ومن هنا كان على المعارضة وقوى الثورة السورية أن تفعل كل شيء لمنع حضور وتمدد هذا التسونامي الطائفي القادم من ظلمات التاريخ.
بعد أن عانى الشعب السوري من إيران ويلات المجـازر وقـتـل الأطـفال، واغتصـاب النسـاء، ومحاصـرة الـمـدن، وتدمير المنازل، وهدم المساجد، وتشويش على فضائيات الثورة واتصالات الثوار، وبعد اعتراف حزب الله أنه لولا تدخلهم لسقط النظام خلال ساعتين، بعد كل هذا يبقى السؤال حائرا لماذا لم تعلن الثورة السورية أن ايران هي العدو الأول للشعب السوري ومعها حلفها الطائفي البغيض؟
لقد استثمرت ايران في الفكر القومي العربي وهي كارهة له إلى درجة الاحتقار، فاستغلت القوميين العرب أحسن استغلال، القوميون الذين لا يجدون في الأفق إلا شعارات العروبة، ويطربون بل يسكرون لأي حديث عن تحرير فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية ولو كذبا وزورا، ويهيمون حبا بمن يحقق أي انتصار ولو كان وهميا على اسرائيل، ولقد ارتبط في الذهنية القومية أن نظام الأسد نظام مكافح ومنافح عن القضايا القومية فانحازوا إلى تأييده مهما فعل.
لقد كانت إيران محظوظة بمدارس الفكر السائدة في المحيط العربي والإسلامي كالمدرسة القومية والمدرسة اليسارية والمدرسة القاعدية والمدرسة الإخوانية، فكل هذه المدارس متهاونة مع المشروع الإيراني بل ومتهادنة معه، مما جعل إيران تنجح في تمرير أكبر مذبحة في التاريخ بأقل إدانة ممكنة من رواد تلك المدارس.
الكاتب والباحث السياسي: عبد الناصر الحسين.
ليست هناك تعليقات