آخـــر ما حـــرر

نحتاج إلى ثورة جديدة هدفها إحياء الثورة الأم






لقد سوّق الأسد نفسه بأوصاف مهيبة كوصف «القائد الاستثناء» و«الرجل الضرورة» و«الظاهرة» و«الرمز» ليكتشف العالم كله أنه كان ظاهرة استثنائية في الإجرام والقتل، ورمزاً للإرهاب والعدوانية، وأنه كان محدوداً لا يفكر إلا باتجاه واحد، وهو سحق المعارضين، وإشعال الحروب الطائفية في كل مكان، وليكتشف العالم أن الضرورة التاريخية والإنسانية تقضي بمحاسبة «رجل الضرورة» على جرائمه الشائنة.

لا يمكن اعتبار بشار الأسد رجلا قوميا عربيا، لأنه ربيب القومية الفارسية الحاقدة على كل ما هو عربي، ولا يمكن اعتباره رجلا وطنياً فهو الذي دمر الوطن ثم عرضه للبيع في المزاد العالمي ليبيعه «خردة» وعلى وضعه الراهن دون ترميم.

لا يخجل «الرئيس البائس» بشار الأسد وهو يتحدث عن انتصارات جيشه المهزوم في أكثر من حفلة حربية أمام الثوار، وهو الذي يعيش معظم أوقاته محتجباً عن الأنظار، ولا يظهر على الناس إلا للضرورة القصوى، وتحت حراسة إيرانية أو روسية - حسب جدول المناوبات- فهو المجرم المطلوب لأكثر من عشرين مليون شخصاً، والمطارد من لعنات الناس وغضبهم.

لو كان بشار الأسد منتصراً بحق فأين المسيرات المليونية الزائفة التي كنا نراها تملأ الساحات العامة وتجوب الطرقات؟. أين الهتافات الصادحة بحياة القائد الأوحد والرمز المبجل؟. أين مفردات القداسة التي كانت تتسابق وكالات إعلام النظام والإعلام الموازي على بثها وكأنها سبق صحفي؟. كلها تلاشت وهرست تحت أقدام الثائرين الأحرار.

يمكن وصف بشار الأسد اليوم بجلد الأفعى التي ماتت وبقي إهابها اليابس، فالأسد انتهى منذ آلاف السنين وبقي جلده، ولا يخشى جلد الأفعى إلا كل هلوع جزوع، من الذين سكن الخوف في كيانهم واستطابوا ذل العبودية والخنوع.

إننا أمام لحظة فارقة من نضال الشعب السوري الثائر الصابر، فلم يعد هذا النضال موجهاً فقط تجاه النظام، وإنما هو أمام التحدي الجديد، المتمثل في مواجهة الاحتلالين الروسي والإيراني لأرض سورية، وهو ما يتطلب قراءة سياسية مختلفة، بعيداً عن الأوهام والرغبات  التي ما زالت تطبع القراءة السياسية لكثير من النخب، وتجعلها تقع في مطب الخفة السياسية في طرحها ورؤاها وبرامجها، مع أنه من المؤسف أن الشعب الثائر أدرك هذه الحقيقة مبكرا، لكن من المفيد أن يتفق النخب والشعب على أن سورية تتعرض لغزو همجي ولا بد من أخذ المبادرة لتحريرها من قبضة الطغاة وسطوة الغزاة.

ثورة الكرامة السورية اليوم لا تواجه الأسد فحسب! فلو كانت القضية تتعلق بذلك الوريث لانتهت الأمور من الصولات الأولى، لكن الثورة تواجه حلفاً إيرانياً طائفياً حاقداً، جلب إلى سورية وحوشاً لا يشفي غليلها سوى اللحوم الطرية من أطفال الوطن، وحوشاً معبأة بدوافع الثأر والانتقام. كما تواجه زعيماً روسياً يعشق المغامرات، وقد وعد شعبه بإعادة روسيا القيصرية إلى منصات التتويج على مذبح الجريمة المنظمة.

لم تتفجّر الثورة السورية في وجه البغي والطغيان من أجل الهزيمة والإخفاق، فزمن الهزائم مضى، وزمن الإخفاق قد انقضى، وتكلفة الهزيمة هي أكبر بكثير من تكلفة المضي في الثورة، وثمن الاستسلام هو أكبر بكثير من ثمن الصمود، وأحرار سورية أحرقوا السفن ولن يلتفتوا إلى الماضي المظلم.

الشعب الثائر أخذ بزمام المبادرة، ودفع الأثمان الباهظة لنيل حريته وانعتاقه من ربقة الجلاد الوغد، ولم يعد بوسعه القبول بماضي المهانة، حيث كانت تدفن الكرامات حيّة، وتمرّغ أنوف القوم الكرام بالتراب.

لكن لا بد من مواجهة حقيقة حيوية مفادها: أن الانتقال إلى التغيير الحقيقي الذي ينصف السوريين لن يتم إلا بإطلاق ثورة جديدة بخطاب جديد، وقواعد سياسية مختلفة، وقواعد اشتباك خلاقة، ثورة تقتلع كل العوائق الذاتية التي تشكلت خلال السنوات الماضية، كالفساد والاستبداد والسواد وأستانة وسوتشي والارتزاق واللجنة الدستورية، وكل القائمين على تثبيت تلك العوائق.

لا بد من إطلاق ثورة جديدة تعيد الاعتبار للثورة السورية (الأمِّ) وتقضي على النسخة الثورية الزائفة التي أرادوا تسويقها عالمياً، والعهدة في ذلك على الشرفاء الأحرار في كل مكان، وما أكثرهم.    

ناصرابوالمجد-شبكة حقيقة الإعلامية

ليست هناك تعليقات